اغتيال جون كينيدي: القصة الكاملة

هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: World politics explainer: the assassination of John F. Kennedy لكاتبه: لويد كوكس. الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن توجهات تبيان.

22 نوفمبر 1963.
في تمام الساعة الواحدة بعد الزوال أُعلن رسميًّا وفاة الرئيس جون كينيدي، الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية، في مستشفى باركلاند رومي، الغرفة 1، دالاس تكساس. 

وذكر الطبيب الشخصي لجون كينيدي أن سبب الوفاة هو إصابته بطلقةٍ ناريةٍ في الرأس. تم الإعلان عن هذا رسميًّا للجمهور المذهول بعد نصف ساعةٍ بالضبط من حادثة الاغتيال، ولا تزال تداعيات هذه الصدمة، والتي هي الرابعة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، مستمرة حتى يومنا هذا. 

مالذي حدث؟

على الرغم من أن أحداث ذلك اليوم كانت أساسًا للعديد من نظريات المؤامرة، إلا أن الحقائق الأساسية أصبحت الآن مقبولةً على نطاق واسع؛ بينما كان موكب الرئيس يشق طريقه عبر ديلي بلازا في وسط مدينة دالاس، تلقّى ثلاث طلقات من الأمام، وثلاثٌ أخرى أُطلِقت من خلف وفوق الليموزين. استقرت طلقةٌ في رأس الرئيس جون كينيدي، بينما استقرت أخرى في جسد حاكم ولاية التكساس، جون كونالي، لكنها لم تقتله. 

بعد 70 دقيقة من الهجوم، ألقت شرطة دالاس القبض على لي هارفي أوزوالد، جنديٌّ أمريكيٌّ سابق، قضى ثلاث سنواتٍ في الاتحاد السوفياتي. ولكن، قبل استجواب أوزوالد، وبعد أقل من 48 ساعة من حادثة الاغتيال، أوزوالد نفسه تمت تصفيته. 

أُطلق عليه النار على المباشر أمام كاميرات التلفزيون من قبل جاك روبي، أمريكيٌّ صاحبُ ملهىً ليليٍّ في دالاس، وله صلاتٌ بالجريمة المنظمة. ألهم هذا الحادث أجيالًا من مُنَظِّري نظرية المؤامرة ليؤمنوا ويدّعوا أن هناك قوى خبيثة تعمل في الخفاء تهدد الولايات المتحدة الأمريكية. 

ما بعد الاغتيال ـــ وتكهنات حول وجود قناصٍ آخر

واحدة من أكثر نظريات المؤامرة انتشارًا وقبولًا تقول أنه قد كان هناك رجلٌ مُسلحٌ ثانٍ، وأنه كلا من هو وأوزوالد كانا جزءًا من دائرةٍ أوسع من المتآمرين. 

وعلى الرغم من أن لجنة وارن، التي أنشأها الرئيس الجديد ليندون جونسون للتحقيق في مقتل كينيدي، أعلنت في سبتمبر 1964 أن أوزوالد كان “القناص الوحيد”، وأنه لم يكن جزءًا في أي مؤامرةً محليةٍ أو دولية، إلا أن هذا السرد لم يلقى قبولًا إلا بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي. 

وقد ظهرت تطوراتٌ عديدةٌ ألقت بظلال الشك على أُطروحة المسلح الوحيد، من بينها النقد الصادر عن لجنةٍ مختارة تابعة لمجلس الشيوخ مُكلَّفةٌ بالتحقيق في “العمليات الحكومية المتعلقة بالأنشطة الاستخباراتية” عام 1975، والذي أكدت فيه أن التحقيقات التي قام بها كل من مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية (CIA) كانت ناقصة، وأن العديد من الأدلة الأساسية في القضية أُهمِلت ولم يتم تقديمها إلى لجنة وارن. 

علاوةً على ذلك، في عام 1975، تم إطلاق فيلم أبراهام زابرودر الشهير الذي مدته 26 ثانية والذي يُظهر لقطة الاغتيال كاملةً. 

للعين غير المدربة، يبدو أن الفيلم يُظهر أن الطلقة الثانية القاتلة جاءت من مقدمة السيارة. و بعدما عُوينت اللقطة مع وضع استنتاجات لجنة مجلس الشيوخ ومجلس النواب في الحسبان، افترض الكثيرون صحة الادعاء القائل بأن أوزوالد لم يكن وحده، وأن المطلق الثاني كان أمام وعلى يمين موكب الرئيس. 

ولكن في وقت لاحق، تم دحض هذه النظرية بشكل قاطع، وهذا بعد أن اكتسبت “لجنة الولايات المتحدة للاغتيالات” تسجيل راديو لِضابط شرطة كان جزءًا من الموكب، فُحِص الدليل من قبل خُبراء مستقلين في الأبحاث الصوتية، واتفقوا بالاجماع بأن ما يبدو طلقةً رابعة، لم يكن طلقةً على الإطلاق.

وبالمثل، بعد مراجعة الأدلة، توصل خبراء الطب الشرعي إلى استنتاجٍ مفاده أن جروح الطلقة في جسد الرئيس تُثبت أن الرصاصة جاءت من الخلف ولم تأتِ من المقدمة.  

وبالتالي، يُمكننا أن نستنتج وبدرجة عالية من اليقين أن أوزوالد كان المسلح الوحيد، ولكن هذا لا يعني أن التخطيط للاغتيال تم من طرف أوزوالد لوحده. 

قانون جون كيندي

في عام 1992، مرّر الكونغرس قانون جون كينيدي، الذي أدى إلى الإفراج عن أكثر من 4 ملايين صفحة من الوثائق المتعلقة بالاغتيال. وبعد تحليلٍ شاملٍ لهذه المادة، ودراسة لجميع التقارير الحكومية السابقة والأدبيات المتعلقة بالحادثة، نشر ديفيد كايزر أول كتابٍ عن الاغتيال.

“الطريق إلى دالاس: إغتيال جون كينيدي” لمؤلفه ديفيد كايزر هو أول كتابٍ كُتب من طرف مؤرخ محترف عن الحادثة.

في هذا الكتاب، استشهد ديفيد كايزر بأدلة أرشيفية تربط أوزوالد بشبكةٍ من شخصيات الجريمة المنظمة، وبكوبيين مناهضين لفيدال كاستور، ونُشطاء سياسيين يمينيين متطرفين، وجميعهم تجمعهم رغبةُ التخلص من كينيدي، وعلى الرغم من أن استنتاجاته ليست بالضبط محكمة، إلا أن الكتاب يوفر الرواية الأكثر إقناعًا بأن تصرف أوزوالد كان جزءٍ من مؤامرةٍ أوسع.   

حجة كايزر الأساسية هي أنه ـــ على الأرجح ـــ أن عصابةً من شخصيات الجريمة المنظمة، وشخصياتٍ كوبية مناهضة لحكم كاسترو قد جندت أوزوالد ليقوم بعملية الاغتيال، فقد تزامنت مصالح شخصيات الجريمة المنظمة، التي جُمِّدت أعمالها التجارية في كوبا بعد الثورة، مع مصالح الأثرياء الكوبيين المعادين لكاسترو الذين تم نفيهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية. 

كلتا الجماعتين، كانتا معاديتين بشدة لكينيدي وشقيقه، النائب العام روبرت كينيدي. فإدارة كينيدي لم تفشل في غزو كوبا واسترجاع الممتلكات الخاصة فحسب، بل شنت حملةً لا هوادة فيها ضد شخصيات معينة في الجريمة المنظمة. 

هناك أدلة قوية على أن أوزوالد كان على اتصالٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ مع اثنين ــ على الأقل ــ من شخصيات الجريمة المنظمة، بينما كان أيضا على اتصالٍ مع مجموعةٍ أوسع من النُشطاء المُناهضين لكاسترو. يعتقد كايزر أن هذه الشبكات المتداخلة من العصابات والنُشطاء الكوبيين المنفيين في أميركا كانت تأمل أن يؤدي اغتيال كينيدي، الذي سيأخذ أوزوالد في مقابله مبلغًا ضخمًا من المال، إلى غزو أميركا لِكوبا؛ فَيَتَسَنَّى لهذه المجموعات استعادة ممتلكاتها الخاصة وأعمالها التجارية. هذا، بالطبع، لم يحدث، وبدلًا من ذلك، كانت هناك مجموعة من العواقب والإجراءات قصيرة وطويلة المدى.  

تداعيات مقتل جون كينيدي

على المدى القصير، انتهز الرئيس الجديد ليندون جونسون الفرصة التي أتاحها الابتئاس العام في البلاد ليقتحم التحدي الانتخابي ويسحق الحزب الجمهوري في انتخابات 1964، وقد استخدم هذه النتيجة كتفويضٍ لمواصلة برنامجه الليبرالي وأجندة الحقوق المدنية؛ التي وسعت إلى ــ إلى حدٍّ كبير ــ دور الحكومة وعززت حقوق الأمريكيين الأفارقة والأقليات العرقية الأخرى.  

على المدى البعيد، كان برنامج جونسون الليبرالي هو الذي أثار رد فعلٍ عنيفٍ من المحافظين البيض وتجسّد هذا الرد في ظل رئاسة ريتشارد نيكسون وبعده رونالد ريغان. 

في الانتخابات الرئاسية لعام 1968 و1972، تبنى نيكسون استراتيجيته سيئة السمعة المُسماة “استراتيجية الجنوب”؛ التي فصل بها سكان الجنوب الأمريكي البيض عن الحزب الديمقراطي الذي كانوا يؤيدونه. 

تسارعت ردود فعل الأمريكيين البيض خصوصًا المنتمين إلى طبقة العمال، وأعادوا تنظيم صفوفهم داخل الحزب الجمهوري في الثمانينيات في عهد الرئيس ريغان ثم خلال رئاستي جورج دابليو بوش وباراك أوباما. 

وهكذا، جزءٌ كبيرٌ من الأمريكيين البيض لم يعترفوا بشرعية رئيسٍ أسودٍ بعد فوز أوباما في انتخابات 2008، وظهرت ردود فعلٍ قويةٍ ضد الرئيس الجديد، وجزءٌ منها تجسّد في الكراهية التي استقبلت بها أحزاب اليمين باراك أوباما. 

واليوم نشهد نفس ردود الفعل، وإن كانت تتخذ أشكالًا جديدة، في المشهد الغريب لرئاسة دونالد ترامب، فهو بطلٌ رئيسٌ في هذا الجدل، ويلعب باستمرارٍ على وتر المخاوف المتعلقة بالتحيز نحو عرقٍ على حسابٍ عرقٍ آخر. 

قديمًا، تكلم نيكسون وريغان بلغة مشفرة تُخفي تحيّزًا تُجاه عرقٍ معين، أما اليوم، فترامب يتكلم بلغةٍ صريحة جدا مُعلنا أهمية إيقاف هجرة المسلمين إلى أميركا، وطرد “القتلة والمغتصبين” المكسيكيين وبناء جدارٍ عازلٍ يحمي البلاد منهم. 

إن سياسة الانتقام واللعب على عواطف الخوف من عرقٍ والغضب تجاه عرقٍ آخر هي العملة التي يُراهن عليها دونالد ترامب. ومن أجل هذا لا يزال صدى اغتيال كينيدي محسوسًا إلى اليوم.

لم تكن سياسات اليمين الأمريكي المعادية والعنصرية والمزيفة بردِّ فعلٍ عنيفٍ ضد كينيدي وإدارته، لكن فترة حكمه وحدث اغتياله، والقوى السياسية التي أطلقتها هذه الحادثة هي معلمٌ مهم في مسار تطورهم. إن اليمين الأمريكي اليوم، برئاسة دونالد ترامب، هو السليل السياسي المباشر لهذا الفصل المظلم في التاريخ الأمريكي.  

كودري محمد رفيق

من الجزائر، أكتب في الدين والفكر والتاريخ، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى