الوحدة الإسلامية.. المفهوم والعقبات

جاء الإسلام بمفاهيم جديدة تختلف مع مفاهيم المجتمعات الجاهلية من كل جوانب الحياة. ومفهوم الوحدة الإسلامية هو أن يكون المسلمون أمة واحدة تحت راية واحدة. فالأمة الإسلامية هي أمة واحدة كما قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

وتقوم وحدة الأمة الإسلامية على الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- فهذه الأمة لا تجتمع على أساس القبيلة أو القومية أو الوطنية أو أي شيء من التصورات الجاهلية هذه، بل الأمة جنسيتها العقيدة ولا فرق بين عربي وعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ”.

يقول الشيخ محمود شاكر في كتابه التاريخ الإسلامي: “لا ترتبط الأمة ببقعة من الأرض معينة، وإنما ساحة عمل الأمة المسلمة الأرض كلها، فحيثما تمكنت من إقامة حكم الله فذالك مقرها الأول ونقطة انبعاثها، وبعد ذلك تتوسع دائرتها منه بالدعوة، ونشر الفكرة والجهاد حتى تشمل الأرض جميعها، وما دامت الفكرة لا تعم الأرض كلها، ولا تحكم العالم كافة بما أنزل الله فمهمة الأمة باقية، وعليها واجب كبير وهو الجهاد في سبيل الله حتى تتمكن من تطبيق منهج الله في الأرض قاطبة”.

ومن أعظم ما جاءت به شريعة الإسلام ترسيخ وتوضيح وفهم مبدأ الأخوة الإسلامية قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ….) والوحدة بين المسلمين، فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ).

وذكّر جل ذكره عباده المؤمنين بنعمة الوحدة والاجتماع على دينه التي منّ بها عليهم لأن البشرية قبل الإسلام كانت تعيش في حالة من الفوضى والعداوة والبغضاء، يتقاتلون فيما بينهم لأجل القبلية أو ما شابه ذلك فقال سبحانه وتعالى: (وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

أهمية وحدة المسلمين

إن وحدة المسلمين في كيان واحد قوي أمر مطلوب لجميع المسلمين ونحن بحاجة إلى إعادة خلافتنا الإسلامية التي تجمع شتاتنا وتدافع عن حقوقنا وتحمل راية الإسلام.

فالأخوة والوحدة الإسلامية تجمع التركي مع الفُرْسِي والعربي مع الإفريقي ولا توجد في الأرض أمة مثل الأمة الإسلام لأنها خير أمة أخرجت للناس.

والوحدة الإسلامية لها أهمية كبيرة،

  1. فالوحدة سر قوتنا.
  2. والوحدة تساعد المسلمين ليكونوا يدًا واحدة ضد أعدائهم.
  3. والوحدة تمثل عقيدتنا وتحطم جميع أفكار الجاهلية التي تنادي بتفكيك وحدتنا.

قال القرطبي -رحمه الله-: “فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة”. ورحم الله ابن المبارك حيث قال: “إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا ** منه بعروته الوثقى لمن دانَ” وأخرج الطبري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: “حبل الله الجماعة”. فالتاريخ علمنا أن الوحدة سبيل العزة والكرامة والقوة والتفوق.

ثم القوة في اجتماع المسلمين، ومتانة الأخوة الإسلامية، لا تحتاج إلى دليل، فالتاريخ كله ملئ بمعجزات هذه القوة، وروادها، قد استطاع صلاح الدين الأيوبي وهو زعيم الجهاد الإسلامي وكردي من أصل أعجمي أن يجمع تحت رايته العرب والأكراد والمصريين والسوريين والسودانيين وغيرهم من الأجناس، ويثير فيهم روح النخوة الإسلامية، والحماسة الدينية، فاستماتوا في سبيل الشهادة في سبيل لله ودفع عادية الصليبيين عن الأراضي المقدسة.

الغرب يخاف عودة الوحدة الإسلامية

هناك مخططات كثيرة وضعها الغرب لتفكيك وحدة المسلمين ومن أخطرها مخططات هذا القرن كمشروع المؤرخ الصهيوني برنادر لويس لتقسيم العالم الإسلامي من جديد والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية.

في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع برنادر لويس في 20.05.2020 م قال: “إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في احتلال المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان”.

تحاول أمريكا تقسيم العالم الإسلامي من جديد وكما تقول تصحيح حدود سايكس-بيكو. في عام 1980 والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي بقوله:

“إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن (1980) هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدث بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس-بيكو.

وفي وثيقة محفوظةٍ بالمركز العام للوثائق بلندن، تحت رقم 371 – 5595، ورد في تقرير وزير المستعمرات البريطانية «أورمسي غو» لرئيس حكومته في 9/1/1938: “إن الحرب علمتْنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تَحْذَرَه وتُحاربه!

وليست إنجلترا وحدها هي التي تلتزم بذلك، بل فرنسا أيضًا: مِن دواعي فرحنا أن الخلافة الإسلامية زالت، ولقد ذهبتْ ونتمنَّى أن يكون ذلك إلى غير رجعة”.

وهكذا يعلن الغرب أنه ضد الوحدة الاسلامية. يقول القس سيمون: “إن الوحدة الاسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التملص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحول بالتبشير (التنصير) اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية”.

ويقول رنولد توينبي في كتابه الإسلام والغرب والمستقبل: “إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ”.

ولا شك أن المسلمون يعيشون اليوم عصر الثورات لإسقاط حكم العسكر والدكتاتوريات وما زال الطريق طويلًا والتغيير يتطلب التضحيات والصمود ورسم الأهداف التي من أبرزها وحدة المسلمين.

يقول لورانس براون: “إذ اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطرًا، وأمكن أن يصبحوا نعمةً له أيضًا، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير….”

ويكمل كلامه:

يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير.

يخافون إعادة الخلافة الإسلامية لأنها رمز وحدتنا

صرح جورج بوش في خطاب له للأمة الأمريكية في 8/10/2005 قائلًا: “يعتقد المقاومون المسلحون أنهم باستيلائهم على بلد واحد سيقودون الشعوب الإسلامية ويمكنونهم من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة ومن ثم إقامة امبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى أندونيسيا”.

فهل نفهم ماهية الخلافة وكلما بحثنا أقوال ومواقف القادة الغرب عن الوحدة المسلمين التي تمثل الخلافة نرى أنهم يخافون ويرسلون رسائل تحمل التهديد والوعيد لأولئك الذي يسعون لإعادة الوحدة للمسلمين.

يقول وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك في كلمة له في معهد هيرتيج في 6/10/2005: “لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول إعادة دولة الخلافة ولا مجال للنقاش حول تطبيق الشريعة الإسلامية”.

أما وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد فصرح أن دول سايكس بيكو من الإسلام المعتدل يعني أنهم يمثلون الإسلام الأمريكي.

يقول سيد قطب:

إنهم يريدون إسلامًا أمريكانيًا يستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية.

وأضاف دونالد رامسفيلد: “إنهم يريدون الإطاحة وزعزعة بأنظمة الحكم الإسلامية المعتدلة وإقامة دولة الخلافة”.

من رسم لنا حدود سايكس-بيكو

الوحدة الإسلامية

اتفاقية سايكس بيكو وقعت بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 لتقسيم أراضي الخلافة العثمانية. هذا الاتفاقية مزقت جسد أمتنا بدويلات قطرية متناحرة مع بعضها البعض، هذه الاتفاقية دمرت وحدة المسلمين.

رسم الحدود كل من العقيد السير مارك سايكس وهو مستشار سياسي ودبلوماسي وعسكري وبريطاني وفرانسوا جورج بيكو، وهو سياسي، ودبلوماسي، وحقوقي فرنسي لتقسيم المسلمين لدويلات صغيرة حتى أصبحوا ضعفاء لأن وحدتنا كمسلمين سر قوتنا.

هذه الاتفاقية أصبحت اليوم ثقافة عامة في بلادنا والطلاب يدرسون في المدارس أن حماية حدود سايكس بيكو خدمة وطنية والموت في سبيل حماية حدود الاحتلال واجب وطني!!

ولا يدرسونهم أن الاحتلال هو الذي رسم الحدود بين المسلمين. وهذه حدود الاحتلال التي يطالبوننا بالقتال لأجلها تناقض عقيدة الإسلام.

عَنْ أَبِي مُوسَى عَبْدِاللهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً؛ أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ”؛ متفق عليه.

من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله هذه عقيدتنا لكن اليوم جيوش الدول سايكس بيكو يقاتلون لأجل رفع راية الوطن ويموتون لأجل التراب.

إن عصبية العشيرة والقبلة والقوم والجنس واللون والأرض عصبية صغيرة متخلفة.. عصبية جاهلية عرفتها البشرية في فترات انحطاطها الروحي ونحن نعيش اليوم تخلفًا عقديًا وماديًا، وسماها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منتنة بهذا الوصف الذي يفوح منه التقزز والاشمئزاز.

وفلسطين الحبيبة تصرخ كل يوم واا إسلاماه ولكنها محاصرة بحدود شديدة الحراسة مما يسمى (الدول المجاورة)!

ومجتمعاتنا تعيش في غفلة رهيبة فتحرير فلسطين يبدأ بتحرير العقول وإحياء عقيدة المسلمين لتحقيق وحدة المسلمين التي ستحقق جميع الأهداف والنهضة المنشودة للأمة.

واليوم لم يقتصر الجشع الإسرائيلي على فلسطين بل تمدد نظره لكل مساحة العالم الإسلامي ويسعى من خلال مشاريع التطبيع الإمعان في تفريق الأمة وعزلها عن قضاياها العقدية.

والسبيل لمكافحة هذا المرض، هو مد جسور الوحدة الإسلامية وترسيخ مفاهيم الاجتماع تحت شريعة الله ومفاهيم الإسلام العظيمة، ثم بعد ذلك لن تكون هذه الوحدة إلا حجرًا أساسًا في خلافة مقبلة بإذن الله.

اسم الكاتب: عبد الحفيظ علي تهليل.

المصادر

  1. مقالات إسلامية في الفكر والدعوة: للشيخ أبو الحسن الندوي.
  2. معالم في الطريق: أستاذ سيد قطب.
  3. التاريخ الإسلامي: الشيخ محمود شاكر.
  4. معركة الاحرار: أستاذ أحمد سمير.

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى