معضلة البديل الإسلامي وبداية اعتماد الأمة عليه

في زمن سابق، كانت الأمة الإسلامية تقدم الجديد ليقلدها فيه العالم، و الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين أصبح معظم المسلمين-حسبما يبدو-يتبرؤون من الإسلام بطريقة أو بأخرى فيأتي العالم ويأخذ منه ما يريد ويقدمه للمسلمين الذين يتسارعون لأخذه والتفاخر بذلك. ومواكبة للعصر-كما كان ليصفها أحد ال «حداثيين» المسلمين-كان لزامًا على الأمة الإسلامية إن هي أرادت أن تتقدم أن تأخذ من الغرب ما يقدمه؛ فإن وجدته يصادم شيئًا من ما هو متعارف عليه من الإسلام، صار من الضروري خلق البديل الإسلامي له، فأين المشكل؟

البديل الإسلامي

الفكرة الأساسية التي سأحاول تبسيطها هي أن «البديل الإسلامي» لا يعني بالضرورة محاولة تقديم نسخة إسلامية مما قد تنتجه الحضارات الأخرى، ولا يجب أن يكون هو أساس تحرك الأمة في سعيها للتحرر من أغلالها، بل الصواب هو أن تؤسس لنفسها أساسًا تصوريًا ورؤية واضحة لعقيدتها ثم تنطلق من ذلك نحو إنشاء نموذجها الخاص من الأفكار عوضًا عن نسخ الحضارات المختلفة و صبغ ما تقدمه بصبغة إسلامية.

الحضارة الغربية المثال الأوحد للنجاح!

الأمة الإسلامية الآن-أو بشكل أكثر تحديدًا-القائمون على تحديد مسارها، اختاروا أن يؤسسوا تحركهم على أساس أن الحضارة الغربية هي المثال الوحيد الأوحد للنجاح وأن علينا إن نحن أردنا اللحاق بها، أن نتشبه بها لأقصى درجة ممكنة، دون أن نضطر أن نعترف أننا ربما نصادم الإسلام في أسسه وفروعه، فكان الحل هو استخدام مفهوم «البديل الإسلامي»، فتم تسويقه و تقديمه للعامة من أهل الداخل أو أهل الخارج.

تبني البديل الإسلامي

يقوم البديل الإسلامي على تحديد ما يعتبر سببًا من أسباب نجاح الحضارة الغربية وإن كان مخالفًا أو مصادمًا للإسلام، ثم محاولة إيجاد طريقة لتقديمه للمسلمين وإقناعهم به حتى لا ينتفضوا ضده. و لإنجاح ذلك كان لازمًا التخلص من التصور الإسلامي للحياة و تغييره بالبديل الإسلامي للتصور الغربي للحياة، فكانت البداية من هنا. فأصبح تصور الإسلام للإنسان كخليفة عليه واجب الخلافة و إعمار الأرض تصورًا مرتبطًا بالكتب أكثر منه بساحة الفكر و التحقيق. وتمت الاستعاضة عنه بالنظرة الغربية القائمة على جعل الإنسان محور الكون ومقرره والمستهدف حسن حياته و عيشته، فغاب مفهوم الخلافة لصالح مفهوم «الإنسان الإله» لكن بنكهة إسلامية.

فنجد من يستدل من الإسلام على أهمية الحياة البشرية دون ربطها بالمطلوب منها، وآخر يدافع عن الديمقراطية بآيات وأحاديث مقتطعة من سياقها ووظيفتها، حتى تقررت وانغرست تلك القاعدة الأساسية للتعامل مع الحياة و هي:

استخدام الإسلام لتأكيد الرغبات التي توافق الحضارة الغربية عوضًا عن محاولة طرح تصور كامل من الإسلام ذاته دون محاولة نسخ التصور الغربي.

أسلمة الأشياء

هذا الفعل-أي الانفلات من تقييد المسلمين بالتصور الإسلامي للحياة-جعل منهم من يخرج بما يظهر حقًا حجم المصيبة التي بلغناها، فنجد منتجات من قبيل: خمر إسلامي، أغاني إسلامية، ملابس سباحة إسلامية، لباس ذكوري إسلامي، حجاب إسلامي مواكب للموضة، موضة إسلامية، مسابقات جمال للمسلمات، برامج مواهب للمسلمين، وغيرها الكثير الكثير. و تطور الأمر إلى تقديم أشخاص مسلمين ليكونوا بدائل لآخرين غربيين، فنجد بدائل للممثلين و المغنين بصفة خاصة، أي كل ما لا فائدة منه تم العمل على خلق بديل إسلامي مقبول له، فمن له حساسية من الحضارة الغربية يمكنه الاكتفاء بالبديل الإسلامي الذي لا يعدوا أن يكون أشد فتكًا بالأمة الإسلامية من مثيله الغربي.

ومؤخرا ظهر قبول العالم-بشكل طفيف-بهذا البديل الإسلامي؛ مثلًا في الألعاب الأولمبية حيث نجد متسابقات يلبسن ما يغطي جسدهن كله وإن لم يستوف شروط الحجاب الشرعي، فهللت الأصوات مرحبةً بالأمر غير متسائلة ليس عن شرعية اللباس ذاته بل عن شرعية المشاركة أصلًا في حدث لا يعود بالنفع و الخير على الهدف المنتظر من المسلمين تحقيقه ألا و هو عمارة الأرض. فحتى الأسئلة التي من الواجب طرحها أصبحت منزوعة عن التصور الأصلي، فما عدنا نسأل عن الأساس بل صار السؤال عن الفروع التي بدأنا بسببها نغير الأساس كله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى