المحاكم الدولية.. القناع الزائف للنظام الدولي

تمثل منظمة الأمم المتحدة وما يتبع لها من أجهزة ما يعرف “بالشرعية الدولية” وهي الطريقة الذي يفرض بها النظام الدولي هيمنته على العالم، وحتى تكتمل المسرحية لا بد أن يمثل أحدهم دور القاضي الذي ينهي الصراعات ويفصل بين المتخاصمين استنادا إلى القانون الدولي! وهنا يأتي دور المحاكم الدولية

ويتكون النظام القضائي الدولي من المحاكم الدولية وهي محكمة العدل الدولية التي تفصل في المنازعات بين الدول ومحكمة الجنايات التي تحاكم مرتكبي جرائم الحرب استنادا للقانون الدولي الإنساني، وفيما يلي تعريف بهذه المحاكم الدولية وأسلوب عملها لنقف على حقيقتها وحقيقة العدل التي تدعيه.

محكمة العدل الدولية

 المحاكم الدولية.. القناع الزائف للنظام الدولي

محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ومقرها في لاهاي في هولندا، تم تأسيسها بعد تأسيس الأمم المتحدة عام 1946 كبديل عن محكمة العدل الدولية الدائمة التي كانت تشغل نفس المقر منذ العام 1922.

ويتلخص دور المحكمة في حسم الخلافات القانونية -بموجب القانون الدولي- المقدمة من الدول الأعضاء والبالغ عددها 191 دولة وتقدم آراء استشارية في المسائل القانونية المحالة إليها من قبل هيئات ووكالات دولية مخولة.
تتشكل المحكمة من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لولاية من تسع سنوات. وتجرى انتخابات كل ثلاث سنوات على ثلث المقاعد، ويجوز إعادة ترشيح القضاة المتقاعدين. ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم ولكنهم قضاة مستقلون، وإذا لم تتضمن المحكمة قاضيا يحمل جنسية دولة ما طرفا في قضية ما، فإنه يجوز لتلك الدولة تعيين شخص يقوم مقام القاضي لهذا الغرض بالذات.

إلزامية قرار المحكمة

يقتصر دور المحكمة العدل الدولية على إصدار الفتاوى والاستشارات فيما يتعلق بالنزاعات بين الدول في حال طلب استشارة محكمة العدل من قبل إحدى الدولتين المتنازعتين أو كلتاهما، ولا تملك هذه المحكمة أو الأمم المتحدة قوة تنفيذية تمكنها من تنفيذ قراراتها بالقوة.

وتكون إجراءات محكمة العدل الدولية على عدة مراحل تبدأ مرحلة التدوين، التي ترفع وتتبادل فيها الأطراف الادعاءات، ومرحلة المشافهة وتشمل الجلسات العلنية للاستماع للحجج التي يخاطب فيها الوكلاء والمستشارون المحكمة. وبما أن اللغتين الرسميتين للمحكمة هما الإنجليزية والفرنسية، فإن كل مدون أو ملفوظ بإحدى اللغتين يترجم إلى اللغة الأخرى.
وبعد المتابعات الشفهية تتداول المحكمة سرا وتصدر حكمها في جلسة علنية. ويكون الحكم نهائيا وغير مستأنف. وإذا لم تذعن إحدى الدول المعنية للحكم، فيجوز للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن.

لاحظ أنه يتم اللجوء إلى مجلس الأمن في حالة عدم إذعان الدولة المعتدية لقرار المحكمة فيما يشكل هذا المجلس مصدر الخلل في أنظمة الأمم المتحدة حيث تملك الدول الخمسة الكبرى حق النقد لقرارات المجلس (الفيتو)، وهكذا تدور أجهزة الأمم المتحدة في حلقة مفرغة من التمييز والظلم أساسه الهيمنة العسكرية والاقتصادية، كأن قرارت المحاكم الدولية لا تعنيها.

قرارات لمحكمة العدل الدولية

صدر قرار عن المحكمة عام 2004 ببطلان الجدار العازل الذي أقامته دولة الكيان الصهيوني على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة، ولكن لم يتم تطبيق قرار المحكمة التي رأت بتفكيك قطع الجدار باعتبار أنه يسلب الفلسطينيين حقهم في حرية التنقل. وقد أشار قرار المحكمة إلى أحقية “إسرائيل” في حماية نفسها ومواطنيها من التهديدات لكن دولة الكيان لم تعرض مبرراتها الأمنية لبناء الجدار بسبب مقاطعتها لجلسات المحكمة.

ومن الأمثلة على عدم التزام الدول الكبرى في قرارات المحكمة مخالفة فتوى محكمة العدل عام 1996 حول مشروعية استخدام الأسلحة النووية والتي أوصت بعدم مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها أو أي أسلحة تصيب دون تمييز بطبيعتها أو تؤدي إلى ألم مبالغ فيه.

وقد سجلت العديد من الحالات لاستخدام أسلحة تسبب أضرار مفرطة بعد هذا التاريخ مثل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وكان آخر تهديد باستخدام الأسلحة النووية هو ما أشارت له رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي العام الماضي حول إمكانية لجوء بريطانيا إلى استخدام السلاح النووي لحماية نفسها.

محكمة الجنايات الدولية

هي محكمة مقرها لاهاي في هولندا، تأسست عام 2002 وذلك بعد التوقيع على ميثاق روما عام 1998.

هدفها هو مقاضاة الأفراد المتهمين بالإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. كما تعمل هذه المحكمة على إتمام الأجهزة القضائية الموجودة، فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا، فهي بذلك تمثل المآل الأخير.

يبلغ عدد الدول الأعضاء في المحكمة 104 حالياً، وقد وقعت 35 أخرى لكنها لم تصادق بعد على قانون روما من بينها دولة الكيان الصهيوني وهذا لا يلزمها بقرارات المحكمة.

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

المحاكم الدولية القناع الزائف للنظام الدولي

قانونيا لا يوجد ما يلزم الولايات المتحدة في قرارات المحاكم الدولية كما هو دأب الولايات المتحدة دائما في عدم توقيعها على الاتفاقيات الدولية الملزمة كاتفاقيات أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا، وكذلك انسحابها مؤخرا من مؤتمر المناخ في باريس.

وحتى لو كانت ملتزمة في الاتفاقيات لا يمكن لأي دولة فرض شيء عليها أو على الدول الكبرى الأخرى بسبب تفوقها العسكري أولا وهيمنتها السياسية ثانيا على الأمم المتحدة وأجهزتها، غياب التوازن هذا يعني غياب العدل في أجهزة الأمم المتحدة القضائية وبالتالي عدم جدوى اللجوء لها لحل مشاكلنا ولإنصافنا فنكون نشكو الاستعمار للاستعمار!!.

فمثلا لو لجأت السلطة الفلسطينية كما تلوح عادة لمحكمة الجنايات الدولية من أجل محاكمة الكيان الصهيوني على جرائمه لن تلتزم دولة الكيان بقرارات المحكمة لأنها غير موقعة على اتفاق روما ولا يتوقع منها تسليم ضباط وقادة متورطون في جرائم حرب، ويمكن أن تطالب دولة الكيان من محكمة الجنايات محاكمة مقاومون فلسطينيون بتهمة ارتكاب قتل مدنيين وارتكاب جرائم حرب بحسب القانون الدولي.

وكما فشلت محكمة الجنايات في محاسبة مجرمي الحرب في الصرب بعد حرب البوسنة والهرسك في نهايات القرن الماضي تفشل الآن محكمة الجنايات الدولية وباقي أجهزة الأمم المتحدة محاسبة بشار الأسد أو شخص من نظامه رغم ما ارتكبوه من مجازر إبادة بحق شعب أعزل، وقد نفت محكمة الجنايات مؤخرا ما روج له “الائتلاف الوطني السوري” عن قبول محكمة الجنايات لدعوى تقدم بها الائتلاف ضد نظام بشار الأسد.

في المحصلة علينا التوقف عن المراهنة على الأمم المتحدة أو أي من أجهزتها القضائية من المحاكم الدولية، وكما لم تفيدنا عصبة الأمم التي صنعها الاستعمار القديم لن تفيدنا الآن الأمم المتحدة التي صنعتها الدول الاستعمارية ذاتها ضمن أساليبها الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، وآن الوقت للمسلمين أن يفهموا أن السياسة تدار بأدوات القوة والضغط لا باستعطاف الأعداء.


المراجع

  • قسم البحوث والدراسات – الجزيرة نت
  • رأي محكمة العدل الدولية في الجدار، وكالة وفا
  • المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة العاشرة، العدد 53

أحمد عسَّاف

مدوُن في الشؤون السياسية والثقافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى