عندما نعمل للإسلام: كيف ندير قضايا ومشكلات الأمة المصيرية؟

عندما يبدأ أحد في مشروع-ولو صغير-فهناك خطوات دقيقة وصارمة تُتخذ لإنجاح هذا المشروع، منها: [دراسة الجدوى – دراسة السوق- المرجعية العلمية والعملية لقياس التجارب الناجحة – دراسة المنتج – تحليل المخاطر – وضع وثيقة للمشروع – ووضع خطة عمل – طريقة التنفيذ – جهة التنفيذ – فريق العمل – الفئة المستفيدة – نسبة الأرباح – دوران رأس المال – متابعة الجودة – المراقبة والتحكم.. إلخ ]. وأي خطأ أو تهاون في أي من هذه المراحل، يُعرض المشروع كله للفشل.

بينما عندما نعمل للإسلام-رأس مال المسلمين-تكون هي الارتجالية والعفوية!! ونحن عندما نتعاطى مع الإسلام فإن هذا يعني أننا نخطط لمستقبل هذه الأمة وأجيالها.. بل ومصير البشرية كلها، نخطط لسعادة الدنيا ونجاة الآخرة. فكيف يكون النظر بعفوية وهوى ؟!

والمسلمون هم مشروع الإسلام، والإسلام هو رأس مالهم، ورأس مال البشرية كلها.

والمسلم: إنسان رسالي، يحمل الرسالة الأخيرة من رب العالمين، وهي رسالة أثقل من ملء الأرض ذهباً، وهو  عندما – يخطط لإنقاذ البشرية – يرى الدنيا ساعة من نهار؛ عليه أن يتسابق ويسارع الخُطى لإنجاز “المشروع الرسالي”.

فالمسلم: فكره عالمي، تخطيطه عالمي، مشروعه عالمي، حكومته عالمية، دولته عالمية، مجتمعه عالمي، هويته عالمية.. فكيف يتناول واقعه وقضاياه المصيرية بعبثية، وارتجالية؟!!

فكيف تكون مناقشة قضايا الأمة المصيرية بطريقة: عاطفية بلا عقل.. همجية بلا نظام.. عبثية بلا غاية.. تائهة بلا دليل.. ضائعة بلا طريق.. ارتجالية بلا خطة.. هوجائية بلا استراتيجية.. رعونة بلا عزيمة.. تخبط بلا منهاج؟!!

إن أول خطوة على الطريق الصحيح هي التوبة.. التوبة من ذنب العبث بقضايا الأمة المصيرية !

think-tank1

لقد أصبح علم الإدارة، وتحليل المخاطر، والقياس المقارن للتجارب الناجحة.. علوم مستقلة لها جامعات وهيئات ومؤسسات، وظيفتها الوحيدة هي كيفية الإدارة، وأشكالها، وتحليل المشكلات، والتنبؤ بها، ومنع وقوعها، ولقد برع الغرب في هذا الجانب حتى وصل إلى هذا التفوق المادي. بل إن عندهم مؤسسات للفكر التخطيطي “الاستراتيجي” لعشرات السنين في المستقبل، وفي علم إدارة الأزمات يطلبون من المفكرين أن يكتبوا كل ما لا يمكن توقعه؛ حتى يخططوا على أساسه.

وكل هذه العلوم والمؤسسات والجهد والجد والاكتشاف والملاحظة والنظر، تعتبر من “سنن الله في قيام الدول والحضارات” ونحن فقراء جداً في هذا الجانب، لا أقصد في تطبيق الإدارة على مجال التجارة لكن في إدارة مشكلات الأمة وأزماتها !

فحاولت في هذا البحث المتواضع وضع منهجية علمية وآلية للنظر في مشكلاتنا وقضايانا المصيرية، لنعرف بدقة المشكلة، ومكامن الخلل، والنقاط الحرجة، والفروق بين الأخطاء، حتى نخرج من حالة الارتجالية والعفوية والفوضى، ونقف بدقة على طريق سنن الله في قيام الدول والحضارات، ونخرج من عبث الأمنيات والأوهام والوعود الكاذبة، إلى المضي في طريق الجد والكفاح والمثابرة عن علم دقيق، وإتباع للسنن، وحسن توكل على الله.

علم دراسة المشكلات

إن دراسة المشكلات عملية خاصة جداً، لا يمكن معالجتها إلا من خلال محترفين ومتدربين ومؤهلين، وليست هي عملية ارتجالية يدلو فيها أي أحد بدلوه، وفي النهاية الهدف هو تسليم مخرجات وحلول ونتائج، وخطة للعمل والحركة، ولقد استفدتُ من علم إدارة المشروعات (PMP) ونظام (HACCP) في التطبيق على علم دراسة المشكلات.

التفكير الإستراتجي

ومن المبادئ الأساسية لتحليل وحل المشكلات:

  • تعريف المشكلة.
  • العمل المطلوب.
  • تسلسل الأسباب، الاعتمادية (اعتماد عمل على آخر يسبقه).
  • التقدير والجدول الزمني.
  • الأعمال المتوازية.
  • التخطيط باعتماد الوصول النهائي لحل المشكلة. (حل نهائي –> الأساسات) ( حل مؤقت –> تطبيق التخطيط) (حل زمني –> عامل الوقت) [حل – تخطيط – عمل] عمل على أساس حل المشكلة.
  • التخطيط باعتماد معالجة المشكلة من خلال أعمال متتالية، (عمل مستمر). [ مشكلة – تخطيط – عمل] عمل على أساس المشكلة.

الأدوات العامة لإدارة المشكلة:

  • البدء (وثيقة العمل).
  • التخطيط (العمود الفقري للإدارة) [نطاق العمل – نطاق الوقت – نطاق التكلفة – الجودة – المخرجات] .
  • التنفيذ. (على أساس الخطة).
  • المراقبة على أساس التخطيط (العمل – الوقت – التكلفة).

الأدوات التفصيلية لإدارة المشكلة:

  • البدء ( وثيقة العمل ).
  • خطة الاتصالات والعلاقات.
  • خريطة الإمكانيات والموارد.
  • بيان المهام المطلوبة.
  • تجزئة العمل وهيكلته.
  • تحديد المسؤولية.
  • شبكة الربط بين هيكل العمل.
  • كيفية استخدام الموارد.
  • الميزانية المتاحة.
  • الجودة المطلوبة.
  • المخاطر المحتملة.
  • تنفيذ خطة العمل.
  • تنفيذ الأنشطة الفردية.
  • متابعة التقدم.
  • إدارة التغيير والتحسين.
  • حل المشكلات الناتجة عن الخطة.
  • تحديث الخطة.
  • مراجعة التكاليف.
  • تقييم النجاح.
  • تجميع الدروس المستفادة ونقد الخطة.
  • الإعلان النهائي عن حل المشكلة، وغلق ملفها.
  • إنهاء المشكلة، وتسجيل الدروس المستفادة.

محفظة المشكلات العامة:

  • المشكلات الرئيسية والفرعية .
  • المشاريع الرئيسية.
  • برامج الحلول (وضع خطتين على الأقل لحل المشكلة).
  • الأهداف: (أ) محددة ( ليست عمومية ولا بصيغة إنشائية، ويتحدد في صورة كمية أو أرقام أو نسب أو معدلات ). (ب) يمكن قياسها (نسبة الإنجاز، النقد، الجودة). (ت) الموافقة عليها ( مبدأ المشاركة والتعبير ). (ث) واقعية ( في حدود الموارد والإمكانيات، فلا تكون أقل فتهدر طاقات معطلة، أو عدم استخدام أمثل للموارد، ولا تكون أكثر فتمثل إحباطاً وتعجيزاً) (ج) محددة زمنياً.  ولها نقاط حرجة (لإعادة التقييم وإعادة التخطيط).
  • مجال العمل: (الهدف الرئيسي – الأهداف الفرعية – الأنشطة المتنوعة. لتحقيق الأهداف الفرعية).
  • الاعتمادية : علاقة نهاية إلى بداية (بدء النشاط التالي يعتمد على إكمال النشاط السابق)، علاقة نهاية إلى نهاية (يعتمد إكمال النشاط التالي على إتمام النشاط السابق)، علاقة بداية إلى بداية (يعتمد بدء النشاط التالي على بدء النشاط السابق). علاقة بداية إلى نهاية (يعتمد إكمال النشاط التالي على بدء النشاط السابق).
  • التدريب.
  • تحديد المسؤولية والأولوية.
  • الانطلاقة: نقطة التوازن بين المخاطرة المهلكة، والفرصة النادرة والمتميزة.
  • مراقبة التغيرات (بيئة العمل المتغيرة).
  • المراجعة.
  • الهدف الاستراتيجي (الرؤية – المهمة “الرسالة” – الاستراتيجية – عوامل النجاح والنقاط الحرجة).
  • الأداء التجميعي ومؤشرات القيمة.
  • قياس النجاح والجودة: ( تخطيط الجودة – تنفيذ الجودة – مراقبة الجودة ) والتقييم ( رأي الخبراء أو مجموعة متخصصة – تقدير من أسفل لأعلى تحليل الأعمال من القاعدة للقمة – تقدير الثلاث نقاط “المتفائل والمتشائم والأكثر حدوثاً”.
متاهة المشكلات

الأدوات التي تزيد من عمق المشكلات:

  • الخطأ في تعريف المشكلة، أو اختلاف الهدف من حلها.
  • التنظيم الفاشل.
  • التخطيط غير فعال.
  • نقص في الأدوات المساعدة.
  • لا يتم تخصيص الموارد الكافية لعلاج المشكلة.
  • نقص في الخبرات الدقيقة.
  • نقص في الموارد البشرية.
  • عدم تحديد المدة الزمنية للعلاج.
  • التحديد الغير دقيق لإطار عمل المشكلة.
  • نقص في المساندة من القيادات العليا.

المخاطر:

  • تحليل المخاطر: (تحديد المخاطر – احتمالية المخاطر – تأثير المخاطر – الاستجابة “حل ” المخاطر).
  • دراسة المخاطر: ( التخطيط للمخاطر – المراقبة للمخاطر – التطوير والاستجابة – تحليل المخاطر النوعي والكمي – المخاطر المتوقعة – المخاطر الغير متوقعة – المخاطر الداخلية المتوقعة – المخاطر الخارجية الغير متوقعة – العصف الذهني – البيانات التاريخية – الدروس المستفادة – تحليل القوة والضعف والفرص والتهديدات).
  • خريطة تدقيق عملية المخاطر: (تجنب الخطر – قائمة المخاطر – أولوية التحليل الكمي – قائمة بالمخاطر الكبيرة – تطوير وتحديث سجلات المخاطر – خطة المخاطر – مراجعة خطة المخاطر).
  • الخطط: (خطة الوقاية – خطة الطوارئ – خطة البدائل – نقاط التنبيه – التأثير – الأسباب المحتملة – وصف لحدوث الخطر – خطة استباقية).
  • طريقة مواجهة المخاطر: (الخطر بالتفصيل – درجة الاحتمالية – درجة التأثير – تصرف فريق العمل).
  • أثناء المواجهة: (تجنب المخاطر قدر الاستطاعة – التخفيف من حدتها – تحويل مسارها – قبول العواقب مع خطة بديلة – النهوض سريعاً – متابعة التقدم) .
  • اليقظة: ( بعض الأخطاء يمكن تصحيحها عندما تدرك مبكراً ويكون هناك فرصة، وبعض الأخطاء يستحيل تصحيحها عندما تكون السفينة وصلت بالفعل أمام جبل الثلج ).
  • التحديات: ( الضغط النفسي – الغموض وعدم إدراك وفهم المسؤوليات – التغيير في الأهداف والغايات – التنافس على المناصب – حدوث الأمور غير المتوقعة ).

أشكال مواجهة المخاطر:

  • القوة: (كل شيء أو لا شيء).
  • الانسحاب أو التجنب: (التراجع وانتظار الفرصة الأحسن).
  • العمل المؤقت: (عدم الاصرار على الاختلافات، وإيجاد حلول مؤقتة).
  • المصالحة والمشاركة: (البحث عن النقاط المشتركة، والوصول إلى اتفاقات ومساومات).
  • المواجهة المحسوبة: (التكامل وتوازن القوة).
حلول

قضايا الأمة المصيرية

هي القضايا التي تكلف الأمة الكثير من الدماء والأرواح والأموال والأعمار والأجيال، ويترتب عليها مصير الأمة ومستقبل البشرية، فهو حديث جلل وعظيم، وإن أي خلل في النظر في هذه القضايا، سينتج عنه خلل فكري ثم إرادة خاطئة، وفعل خطأ؛ وسُيؤدي كوراث تستمر لأجيال؛ لذا لا يمكن بحال الحديث عنها بشكل جزئي، أو عفوي، أو ارتجالي، أو عشوائي، بل لابد من اتباع المنهج الإسلامي: بربانيته، وشموله، وثباته، ومثاليته، وواقعيته، وإيجابيته، وتوازنه.. والذي يحمل منظومة عقيدية متكاملة هي: [التوحيد – الشريعة – الهوية – السيادة – الحكم الراشد – الحضارة – المساواة – الحرية الكاملة – الحق الرباني – العدل الرباني – الثورة على الظلم – الجهاد].

ومن قضايا الأمة المصيرية:

  • إقامة الدين، وتحكيم الشريعة، وإعلاء كلمة الله.
  • استرداد الهوية الإسلامية كاملة.. إنساناً ومجتمعاً ودولة وحضارة.
  • بناء الإنسان الرسالي الذي يقدر أن يحمل رسالة الله إلى العالمين.
  • شيوع وانتشار علوم الشريعة وهي – بعد علوم الوحي – علوم إدراك الواقع باختلاف أنواعها.
  • معالجة ظواهر الشرك والبدع الواقعة في الأمة، والدعوة إلى توحيد خالي من الشرك، وسنة خالية من البدع، وعمل خالي من التعصب.
  • معالجة الفكر والقيم والتصورات الانهزامية، والتي تُحرّف الدين، وتقعد بالأمة عن العودة إلى مكانتها.
  • صد الهجوم العلماني الصليبي اليهودي على الإسلام والهوية والإنسان والأرض.
  • رصد أعداء الأمة ، وطرق هجمتهم على الإسلام والمسلمين، ومحاربتهم بكل وسيلة مكافئة.
  • محاربة العلمانية وأدواتها من جذورها، ومحو آثارها في الفكر والثقافة والفن والأدب ونظم الحياة.
  • إحباط خطط تفتيت الأمة ودولها المقسمة أصلاً.
  • معالجة التحزب والتعصب والتفرق في الدين، ورد البدع ودعاوى الجاهلية.
  • سيادة أرض الإسلام، والتحرر من التبعية والخضوع والهيمنة للنظام الدولي.
  • فك شفرات الحكومات العالمية وشركاتها التي تسطير علينا وتسرق ثرواتنا.
  • التحرر من استبداد الحكم الطاغوتي، والخروج من مرحلة “الملك الجبري والطواغيت”.
  • معالجة أمراض الاستبداد النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية.
  • القضاء على كل آثار ومظاهر الفساد والظلم التي خلفها الطغاة والفسدة.
  • استرداد ثروات الأمة المنهوبة، وإعادة توزيع الثروة.. وبناء قوة اقتصادية ضاربة، والتحرر من أسر النظام الدولي الاقتصادي والسياسي.
  • تحصيل القوى المختلفة اجتماعياً وفكرياً وعلمياً وعسكرياً.
  • المشروع السياسي للأمة ووحدة عقيدتها وأرضها وشعوبها.
  • الشورى وآلياتها ومعالم الدولة المسلمة وشكل ونظم الحكم فيها.
  • الجهاد لمواجهة قوة الباطل، وتحقيقاً لسنة التدافع بين الحق والباطل.
  • وصول “رسالة الإسلام” إلى الحكم، وإقامة الدولة العادلة التي تعلوها أحكام الله، ومن ثم قيام الحكم الراشد.
  • اتباع طريق سنن الله في قيام الدول والمجتمعات، والخروج من التيه والعبثية.
  • تحرير المقدسات الإسلامية.
  • اتباع طريق دعوة الرسل في قيام الدين، وحمل الرسالة.

إن سنن الله في الكون وفي قيام الدول والمجتمعات والحضارات كسنن التغيير والتمكين والخلافة الراشدة… إلخ كلها سنن شديدة الصرامة تتسم: بالثبات والشمول والاطراد، وتعمل مجتمعة لا فردية.. وهي سنن لا تحابي أحداً ولو كان رسول الله.

ولكل مشكلة سُنة خاصة بها؛ لا طريق للحل إلا من خلالها مهما كانت التضحيات في سُبل خاطئة.

ولذا جاءت “خريطة الاستبيان وتحليل المشكلات” لتوضح كيفية رؤية ومعالجة المشكلات من منظور شامل؛ لنكف عن العبث والتلاعب بقضايا الأمة المصيرية، ولنقف بها على طريق السنن، ونمضي ننظر في حياتنا ومشكلاتنا، وفي كيفية قيام حضارتنا بأسلوب علمي دقيق محدد.. حتى يهدينا الله إلى صراطه المستقيم، وإلى سبيل الراشد.

نحن لا ينقصنا المال، فنحن أغنى البلاد بالثروات.

نحن لا ينقصنا الشباب، فالأمة زاخرة بالطاقات الشابة الفتية.

نحن لا ينقصنا العقول، فنحن نملك عقول فذة.. وقادرة على القيادة والإبداع.

ولكن:

ينقصنا الطريق.. طريق الإيمان.

تنقصنا العقيدة.. العقيدة الحارة الدافعة التي تمضي بنا في طريق “المشروع الرسالي”.

ينقصنا الوعي.. بسنن الله في الكون.

ينقصنا الإيمان.. بأننا أمة تحمل رسالة إلى كل العالمين.

ينقصنا الإيمان.. بأننا نحمل رسالة أثقل من ملء الأرض ذهباً.

ينقصنا الإيمان.. بحقيقة دورنا في هذه الحياة، ولماذا أُخرجت هذه الأمة إلى البشرية؟

ينقصنا الإيمان.. بوحدة إيماننا، ووحدة أمتنا، ووحدة حضارتنا، ووحدة رسالتنا، ووحدة مصيرنا، ووحدة مشروعنا.

وبدون هذا الإيمان لن نصل إلى شيء.

أحمد طه

كاتب ومهتم بالشأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى