كيف يستغلون الجماعات الإسلامية لضرب الإسلام؟

التاريخ يرينا أن لدى أمريكا مهارة مميزة في استغلال الأحداث لصالحها، وقلب الاتهامات ضدها لتنتفع منها، فأثناء الحربين العالميتين مثلًا، استغلت انشغال العالم بالحرب في بناء قوتها الاقتصادية وبنيتها التحتية، ثم وظفت ذلك لتزيد من سلطتها على العالم. وبعد الحرب العالمية الثانية استغلت العلماء النازيين لتطوير قدراتها العسكرية والاستخباراتية في حربها الباردة ضد السوفيت، وكلما ظهرت حقيقة ادعاءاتها وزور مواقفها قلبت الطاولة على الطرف الآخر كما حدث إبان فضيحة «وتر غايت»، فلم يعترف النظام ساعتها أنه فاسد، بل وجهت الأنظار لحرية التعبير وقوة الصحافة آنذاك. فهذه من القوى التي تتمتع بها أمريكا، وجعلتها تحكم سيطرتها على العالم الذي بدأ يتفلت من يدها لكنه ما يزال يدور في فلكها.

ولم تكن الجماعات الإسلامية استثناءً-خاصة المحاربة منها-، فلما عجزت عن القضاء على بذرتها ما قبل أفغانستان 2001 و أثنائها، وفي العراق 2003 وما بعده، وبعد أن لاحظت أنها تخسر حرب الاستنزاف التي جرها إليها المجاهدون، اختارت أن تغير تكتيكها الذي ترسمه مراكز البحث الأمريكية القوية، فحركت عملائها وضخت قواهم وأموالهم في المواجهة، فلم تعد أموال أمريكا التي تحارب الجماعات الإسلامية وإنما أموال آل سلول، وأراذل الأمة الذين نسميهم حكامنا. ولأن الحرب الناجحة تخاض أيضًا على المستوى الفكري وعلى مستوى الوعي، فقد خصصت من جهودها ما تنجح به في تحقيق غايتها من القضاء على عدوها وإخضاع ثروات المنطقة لنزواتها.

اقرأ أيضًا: حرب الأفكار وتجفيف مولدات المقاومة.. هل بدأت تؤتي ثمارها؟

لا أذكر القائل أن النموذج الواحد إن سيطر وأوغل توحشه، كان نتيجة ذلك ظهور نموذج آخر مضاد ومخالف له، لكن حسبما يبدو أن الدولة الإسلامية خير مثال على ذلك، وهي التي تحمل شعار:

كما تعامل المسلم سيتم التعامل معك

فجعلت لكل فعل غربي رد فعل من قبلها، فقتل بقتل وحرق بحرق، وإن لم تبلغ في توحشها أن تغتصب النساء كما فعل الجيش الأمريكي في العراق، أو أن تهجر القرى من أجل آبار النفط، كما فعلت دول أوروبية كثيرة في إفريقيا، غير أنها تسقي العالم قطرات من الشراب الذي يذيق هو منه العالم عامةً، والفقراء خاصةً، والمسلمين بشكل أكثر تحديدًا، و قبلها كانت “القاعدة” التي حاولت أن تكون مدرسة تنتج مجاهدي الغد وفق منظومة تعليمية قائمة على ما استفادته من تدريبات أمريكية لقادتها و ما خاضته من معارك ضد الاتحاد السوفياتي، فكلتاهما-الدولة الإسلامية و القاعدة-كانتا مثالين حيين على ظهور ذلك النموذج المضاد الذي يضاد النموذج السائد، غير أن الاختلاف هذه المرة أن الراية إسلامية.

والطريقة التي اختارت الدول الإمبريالية على رأسها أمريكا مواجهة الجماعات الإسلامية المجاهدة بها كانت متعددة المستويات، خاصة لما ظهرت قوة هذه الجماعات الإعلامية، التكتيكية، التنظيمية، الإدارية والترويجية، فكان تقرير من قناة ال CNN الأمريكية مثلًا يحتاج موارد مالية وبشرية ضخمة لتقديم تصور معين، لا يحتاج تنظيم الدولة الإسلامية مثلًا لدحضه إلا إلى آلة تصوير واتصال بالإنترنت، فتقوم بتقديمه بعدة لغات تسهل وصوله لمختلف شرائح متابعيها، بل وتوجه به ضربة أخرى لمصداقية الإعلام الأمريكي بل والعالمي بشكل عام، حتى بلغنا أن نجد قنوات عالمية تستند على «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية أو مصادر رسمية أخرى تابعة لجماعات إسلامية مختلفة من أجل متابعة آخر التطورات على أراض المعارك.

ففرض ذلك على قوات التحالف تنويع أسلحتها التي نجحت في قلب صورة هذه الجماعات لدى الكثيرين من مناصريها السابقين إلى وحش كسر أغلاله بهدف إشعال العالم نارًا، وهذا طبعًا تحقيقًا لأهداف عملائها، سواء أكانت إيران التي تشتكي من قتل تنظيم الدولة الإسلامية قادتها، أو بشار الأسد الذي اضطر أن يعقد الاتفاقات مع أي كان للتخلص من ضربات الدولة له، أو حتى أمريكا التي-ولسخافة طرحهم-يرى الكثيرون أنها من صنعت الدولة الإسلامية كي تجد مبررًا للعودة للعراق. ولن نسأل نحن كيف تعود؟ وهي لم تغادر أصلًا، بل وما الغاية في بقائها بعد أن مكنت للشيعة وعملائها الذين أسقطتهم الدولة الإسلامية ذاتها، فهذه الدولة عميلة من يا ترى؟ بل حتى الجماعات المبايعة للقاعدة في إفريقيا نالت حظها من كيل الاتهامات الصادرة من مختلف الأطراف، غير أن الثابت في عقول المتابعين أن هذه الجماعات الإسلامية عميلة للجميع في الوقت ذاته .

الموضوع ليس جوابا على الأسئلة السابقة الإيراد بل هو محاولة للإجابة عن سؤال أهم وأخطر حول كيفية استغلال الجماعات الإسلامية المجاهدة لضرب الإسلام-بل و حتى غير المجاهدة-؟

وكالعادة، حاولت تبسيط الموضوع، وإليكم 11 خطوة مستخدمة لتحقيق هذه الغاية:

1 – تغريب الشعوب

عبر توفير ثقافة موازية متشعبة في وعي الأمة التي تضطر-الأمة-أن تحاول مزاوجتها بالإسلام، فتنتقص من دين الله حتى تخلق نموذجًا شاذًا تطلق عليه تسميات مختلفة قد تصل أحيانا لاعتمادها فيه على «البديل الإسلامي»، حتى يغترب أفراد الأمة داخل أمتهم.

2 – قطع صلتهم بالتاريخ وتزييف ما بقي منه

فالتاريخ مرجع أساسي لأية حضارة تريد أن تعرف نفسها، والحل لتشريدها يكون بقطع تلك الصلة وتزوير ما بقي منها، فتصير الفتوحات الإسلامية حروبًا دفاعية فقط، وتنمحي أسماء القادة والعلماء الكبار من الذاكرة الجماعية، ويتبقى فقط ما يؤسس لصنم الوطنية.

3 – قطع صلتهم بأساس تصورهم، أي الإسلام

فيكون ذلك عبر اللجوء إلى :

  1. إضعاف المعرفة الدينية للشعوب المسلمة
  2. دعم أصحاب الفكر الإرجائي الذي لا يضاد مصالح النظام الحاكم
  3. السماح بالهجوم على الإسلام فترات متقطعة
  4. اضطهاد الصالحين خاصة من العلماء والمفكرين (يمكن قراءة موضوع بعنوان «تفريغ الأمة من حماتها»)
  5. نشر الإسلام الوسطي المعتدل الأمريكاني.

4- انتظار بروز من يحاول تغيير الأمور

ونتيجة لما سبق، ليس من المستغرب ظهور من يقاوم هذه العمليات، فيتم فتح مجال صغير لهم حتى يجتمعوا وتسهل عملية إبادتهم جميعًا ومعها تسهل عملية اصطياد الممولين وأصحاب الإمكانيات الكبيرة، ف «يتم تجفيف المستنقع عوض الاكتفاء بقتل الناموس»

5 – شيطنة هذه المجموعة والتركيز على مساوئها

فتبدأ الماكينة الإعلامية عملها بطرح الأسئلة المختلفة حول هذه المجموعة، تخوينها وربطها بأعداء الوطن، فتتعالى نظريات المؤامرة ومعها يخرج كل رويبضة من كهفه للتهجم على تلك المجموعة.

6 – تقديم كل أفعالهم كأنها صادرة منهم وخاصة بهم وهم من استحدثها

فيتم إلصاق كل فعل يصدر منهم بهم والتدليل على أنه من استحداثهم ولا علاقة بينه وبين ما تؤمن به الشعوب، حتى ساد احتقار للشريعة الإسلامية على صفحات الفيسبوك واعتبارها ممارسات خاصة ب «الدواعش» فقط.

7 – دفع الشعوب للتبرؤ من تلك الأفعال والتمسك بالوسطية الجديدة

وهنا يخرج على الشعوب أشخاص بعمائم مختلفة الألوان والأشكال، يختلفون في المذاهب والتوجهات لكنهم يجتمعون في التحذير من تلك المجموعة، تكفيرها وتخوينها، ويدعون الشعوب للتمسك بالدين الجديد الذي يحمل الاسم ذاته كالإسلام وإن خالفه في الركائز والأركان. فتنتشر حملات للتبرؤ من أفعال تلك المجموعة بل وقطع العلاقات مع من يشاركهم في مظهر من مظاهرهم لكونه مشتبهًا فيه.

8 – وضع الشعوب المسلمة بالخصوص في مواجهتهم، واستغلالها كسلاح

فتنتقل المواجهة من كونها «أمريكا والدول الإمبريالية ضد الإسلام» إلى «الشعوب المسلمة ضد مجموعة ترفع شعار الدفاع عن الإسلام»، فتصبح الشعوب في الصف الأول للمواجهة، فيما لا تجد تلك المجموعة حلًا سوى الإكثار من حملاتها الإعلامية للتوضيح والتحذير.

9 – تقديم البديل المراد اتباعه (الوسطية للشعوب، والتراجع لأبناء تلك المجموعة)

فتبدأ مرحلة فتح الباب أمام تغيير التوجهات بعد مرحلة التضييق، فيخرج من تلك المجموعة من يفضل التراجع عن أفكاره والانسحاب من المواجهة، قبل أن يجد نفسه يتم استغلاله كسلاح على القنوات، فيما تجد الشعوب نفسها أمام طريقة واحدة لدفع الشبهات عنها فتتخذ طريق الوسطية الأمريكية دينًا جديدًا.

10 – ربط مصالح الدول الإمبريالية بمصالح الشعوب ظاهريًا، وكليهما ربط تحققهما بالانتصار على تلك المجموعة

فيبدأ استغلال خيرات الشعوب لقتال تلك المجموعة فتضعف المجموعة وتضعف هذه الشعوب أيضًا، فتخرج الدول الإمبريالية بخطابات لجس النبض والتوعد بالنصر الذي لا يجد له عقبة سوى تلك المجموعة التي لابد من إبعادها والتخلص منها، فيهون كل ما ترتكبه الدول الإمبريالية في سبيل بلوغ تلك الغاية.

11 – عدم التوقف عن الترويج للدين الجديد، ولصورة عالم مثالي دون تلك المجموعة التي تمنع إنشائه

فتزخر نشرات الأخبار بالصور الزهرية لعالم جميل يقبل الجميع، حال التخلص من تلك المجموعة التي يتم التضييق عليها، فلا يسمع لها صوت ولا يترك لها مجال واسع للتحرك.

الخاتمة

الجماعات الإسلامية المجاهدة كانت تلك الصرخة الرافضة للانصياع للنظام العالمي الجديد، كما كانت صرخة لإيقاظ النائمين من المسلمين، فكان من العادي أن تتم محاولة سحقها والعمل على تقديم صراخها على أنه شتم، سب ومس للسكون الذي يعيشه العالم، فقد تسببت في تذوق العالم الغربي لشيء من شروره وهو ما يعد خرقًا سافرًا للراحة العالمية. ولما أعلنت الدولة أنها خلافة إسلامية مثلًا، زادت مصيبة الغرب وكبر معها ضرورة سحقها حتى لا توقظ في أذهان المسلمين الحنين لدولة تجمعهم وتعود بهم لدينهم فتسود العالم وتضيع مصالح الإمبريالي الأبيض الذي أراد أن يحكم العالم.

فسواء اتفقنا مع منهج أو مناهج هذه الجماعات الإسلامية أواختلفنا معها، لا نملك إلا أن نشكرها على إظهارها عدة أشخاص ظنناهم خيارنا قبل أن نراهم من أشرارنا؛ فقد عرت الواقع، وأسقطت الأقنعة، وهي الآن متجهة نحو تأكيد أن العالم لن يرضى بدولة إسلامية تحكم بشرع الله وتخضع له، كما أنه يرضى بقتل المستضعفين خاصة المسلمين مادام هذا القتل لا يسمع له صوت حول العالم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مثال ذلك: انحراف طالبان

    انظر من مقال على TRT العربية بعنوان: طالبان ومستقبل “الجهادية العالمية” بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
    7/يوليو/2021

    “وعندما وقّعت واشنطن اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان في الدوحة في 29 شباط/فبراير 2020، كان أحد أهم بنود الاتفاق عدم سماح طالبان لأي من أعضائها أو أفراد أو مجموعات أخرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وأمن حلفائها،”

    “في هذا السياق فإن حركة طالبان تعتبر تنظيم الدولة خصمها الأكبر لكونه نازعها قيادة الجهاد العالمي، وقد تعاملت مع ولاية خراسان التابعة للتنظيم في أفغانستان بحزم وعنف، حيث وجهت طالبان ضربة قاسية للمنشقين عن الحركة منذ أواخر 2015 وقتلوا زعيم التمرد عثمان غازي ومئة من مناصريه في قاعدة في مقاطعة زابول.”
    ____________
    أنظر أيضا: سيطرت طالبان علي أفغانستان
    بعدما سيطرت أمريكا علي طالبان

    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=364628905037950&id=100044725303659

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى