التجنيد الإجباري، ولمن الولاء؟!

لحماية الوطن، أم لطاعة الباشا؟!

في حرب أكتوبر 1973، بعد أن فقد الجيش ما فقد لحماية العقيدة والوطن، قرر الباشـا الموافقة على وقف إطلاق النار، وشرع في معاهدة السلام فكانت طاعته مقدمة على العقيدة والوطن!
وفي يناير 74 قبل فض الاشتباك الأول، كان يتواجد 80 ألف عسكري مصري و ألف دبابة داخـل سيناء .
ما قرره الأمريكان في فض الاشتباك الأول أن الجنود المصريين رجع منهم 73 ألف والألف دبابة يرجع منهم 30 دبابة! في هذه اللحظة بكى الفريق الجمصي، كيف و هو منتصر يوقع على قرار بالانسحاب؟!
لكنه يقول: لولا أن القيادة السياسية رأت ذلك و أنه رجل عسكري منضبط بالالتزام بالقيادة السياسية ما وقع على ذلك! فكانت الطاعة للباشـا، الكل في خدمة الباشـا.

التجنيد الإجباري وتبعاته:

بدأه محمد على، وأجبر الفلاحين على هذا الأمر بكل الوسائل والقوانين، ففي البداية كانوا يربطونهم بحبال حول أعناقهم في مجموعاتٍ تُساق إلى معسكرات التدريب. ومع المقاومة من جانب الفلاحين، حاول إقناعهم بالحجج الدينية، ثم القوانين والعقوبات. بينما كان الفلاحون يعمدون إلى تشويه أنفسهم وإحداث الإعاقات أو الهروب. وأقيم هذا الجيش وفق معايير فرنسية، وكان مدربو الضباط، ضباطًا فرنسيين!
مع مقاومة التجنيد التي لم تمنعها العقوبات، قرروا استهداف أفكـارهم أن يكون قيد الأفكار لا قيود السلاسل. ربما لن يفلح جدًا في إنهـاء مقاومة التجنيد، لكنه استطـاع أن يجعلهم رجاله بمعنى الكلمة، يقاتلون من أجله هو لا من أجل الدين أو الوطن.. رغم أنه كثيرًا ما كان يستخدم النصوص الدينية، ورجال الدين إلا أنهم في معركة سوريا مثلًا التي كانت ضد السلطان العثماني نفسه.. إلا أن الجنود كانوا يهتفون: “الله ينصر الباشـا” !
وسـار من بعده على نهجه هذا.. فها هو الضابط محمد حافظ إسماعيل الذي عمل مع جمال عبد الناصر ثم مستشارا للأمن القومي في عهد السادات يروي في مذكراته كيف أنه في الكلية الحربية لم يكونوا يعلمونهم الولاء لمصر، و لكن يعلمونهم الولاء للملك !!
ويقول الفريق سعد الدين الشاذلي :

“القيادات أساسها كان الولاء و ليس الولاء لمصر، لكن الولاء لشخص الحـاكم أو القائد!”

صارت جيوش الباشوات، لا جنود الأمة ولا جنود مصر.. ومن يومها ولم تعد جيوشنا تدرك لها راية  دينية، فترى جيش مصر يحارب تحت راية الصليب مع الإنجليز .. فمع استهداف الفكر استُهدفت العقيدة أيضًا.

اقرأ أيضًا: ما هي الـMFO، وماذا تفعل في سيناء؟

هنا يوجهنا سؤال؟

إذا كان الجيش جيش الحاكم، فلمن يكون ولاء الحـاكم؟!
بالنظر سريعًا في أحداث التاريخ نجد أن:
عام 1840 حاصر الجيش البريطاني قوات محمد علي، وكان لديه خيار بالاستسلام مقابل الحكم أو إفنائه، وأعتقد أن خياره واضح جدا
وفي العام 1844 أرسلت ملكة بريطانيا هدية إلى محمد علي باشا، وتقول الوثيقة :

“ولما قدم القنصل هدية الملكة في صندوقها المكسو بالمخمل الأخضر، رفعها الباشا إلى رأسه ثم وضعها على وسادة أمامه” وعهد إلى القنصل أن يبلغ الملكة تقديره لهذا الشرف العظيم الذي حبته به!”

و في عهد الخديوي توفيق، ذهب أحمد عرابي ومعه بعض الضباط إلى قصر الخديوي توفيق، فالتفت الخديوي إلى كوكسن ( قنصل بريطاني ) و قال له: انظر ماذا يقول هـذا؟!

أما الملك فؤاد فقد تربى في إيطاليا و ترعرع بها، وحصل على رتبة ملازم في الجيش الإيطالي، كان فؤاد يحاول اعتلاء عرش ألبانيا، إلا أن بريطانيا جلبته حاكما لمصر عام 1917!!

وبعد وفاة الملك فؤاد كان فاروق ولي العرش في لندن، فأعادوه إلي مصر وتولى الحكم.
ويقول الأستاذ جمال بدوي :

“حدث بعدها لقاء بين النحـاس و السفير، صرح فيه النحاس للسفير بأنه فاض الكيل ولا مناص من خلع الملك فاروق، ويقول أنه منذ العام 1937 و الوفد يفكر في خلعه إلا أن السفير كان يعارض هذا الأمر!”

بعد الحرب العالمية الثانية اتضح للجميع أن السيادة على العالم انتقلت لأمريكا، فبدأ الملك فاروق يتقرب إلى ضباط الجيش الأمريكي الموجود في مـصر، لكي يضمن بقاءه على العرش .
يقول كريم ثابت مستشار الملك فاروق في مذكراته:

“أنت لا تعلم مدى الصداقة بيني و بين العسكريين الأمريكيين لذلك لا يمكنك أن تحكم”

وأخرج من جيبه مفتاحا صغيرا وقال له:

“إنه مفتاح منزل الضابط الأمريكي فلان وأنه يمضي الليل عنده سرا كلما تراءى له أن كيلرن ينوي شرا!. وكيلرن هذا لورد إنجليزي. “

كان يترامى تحت أقدام الإنجليز و الأمريكان مقابل العرش! فأي عزة تطلبها الأمم في ظل حكام كهؤلاء، لم ينته الأمر بعد فمازال مسلسل الاستعباد مستمرا .
في عام 1952 قررت أمريكا أن تكون صاحبة السيادة على مصر بدلا من بريطانيا، قام 8% فقط من الضباط على رأسهم جمـال عبد الناصر بانقلاب عسكري على الملك فـاروق، والأمر الذي يدعو للدهشة هو وجود 80 ألف جندي من الجيش البريطاني في مـصر في ذلك الوقت.
يقول سكرتير مبارك أن ثروة يوليو هذه كانت تعيش في رحم المخابرات الأمريكية، وهم من أعطوا الأوامر للضباط البريطانيين بعدم التدخـل.
وكلامه كافيا لإزالة أية علامات استفهام بصدد هذا الأمر .
و يقول مدير مكتب جمال عبد الناصر أنه عمل ضابط اتصال بين جمال عبد الناصر و المخابرات الأمريكية من 1952 حتى 1970، ويقول أنهم قاموا بتبادل المعلومات!.
بل إن السفير الأمريكي كافري في القاهـرة في ذلك الوقت كان يقول على جمال عبد الناصر “My boy”
والمخابرات الروسية في ذلك الوقت قالت إن الصراع بين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب يمثل الصـراع بين أمريكا وبريطانيا.
وعام 1965 قرر الجيش البريطاني احتلال مصر مرة أخرى بعد تأميم قناة السويس، فتدخلت أمريكا في الصراع ويقول لواء أركان حرب جمال حماد :

“ازنهاور اعتبر الشرق الأوسط بتاع أمريكا فطرد بريطانيا !!. “

وصارت هذه الأمور في أذهان الناس طبيعية جدا أن تناقش أمريكا أوضاع بلادنا وتتدخل فيها أيضا، بل صـار البعض ينتظرهم.
و في عام 1965 ساءت العلاقات بين جمال عبد الناصر و السيد الأمريكي؛ حيث ارتمى في أحضان الروس أكثر مما سمح له الأمريكان، وحتى تعفو عنه أمريكا قرر تعيين محي الدين زكريا رئيسا للجمهورية.

اقرأ أيضًا: سياسة المشهد الواحد !

لماذا محيي الدين تحديدا ؟!

يقول وزير الحربية :

“أبلغني عبد الناصر أنه تنحى خوفا من أمريكا وأنه اختار محيي الدين لأنه بتاع أمريكا.. لكن روسيا طلبت منه البقاء، وأمدته بالدبابات”

وبعد وفاة جمال عبد الناصر، يقول رئيس المستشارين الوس: رئيس الحربية طلب من روسيا تمكينه من تولي حكم مصر إلا أننا وثقنا في السادات، لكن أنور السادات كان يدرك أن النفوذ الروسي في مصر عارض، ويدرك أن الولايات المتحدة تمسك جميع الأوراق كما قال هو. وكانوا يحشدون الناس كالأغنام لاستقبال الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1974

واختار مبارك ليخلفه في الحكم، مبارك هذا يقول عنه مايكل شوير من المخابرات الأمريكية أنه تم اختياره لأنه ومصر جزء من آفاقهم وسياساتهم في الشرق الأوسط. ويقول مصطفى الفقي سكرتير مبارك للمعلومات:

“علاقة أبو غزالة القوية بأمريكا كانت سبب قلق مبارك منه فربما تمنوا في لحظة معينة أن يكون هو رئيس مصر”

فكان مبارك دائم القلق منه واتهمه أنه سرب موضوع الطائرة التي تحمل الفلسطينيين لتسلمهم للقيادات في تونس.

وهكذا باستمـرار هم يتفقدون أحوالنا ويرتبونها بما يخدم مصالحهم، يوجهون ثوراتنا والأحداث في بلادنا، والحكام مشغولون بمناصبهم، ونحن نعطي الولاء المطلق، وبعد أن علمنا أن ولاء الحكام للغـرب، فإنه من غير المعقول إن تربى الجنود على الولاء للحاكم أن يكون ولاءهم لدينهم !.
فإلى متى نسير بقواعدهم، ونمضي وفق مخططاتهم؟ وإلى متى نلعب اللعبة كما أرادوا لنا؟
إننا إن أردنا حريتنا صدقا، فلنعي التاريخ جيدًا، ولنفهم مراد الله منا، حين خلقنا وقال للملائكة: إني جاعلٌ في الأرض خليفة. الله سبحانه وتعالى أرادك في الأرض خليفة، لا تتبع إلا منهج الإسـلام، فتظل عزيزا لا تذل لأحد من خلق الله، فانظر ما أنت فاعل.

838

خديجة يوسف
خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

المقالات: 29

2 تعليقان

  1. إذن وما الحل، لقد طرحتم المشكلة بشكل رائع ولكن مع عدم طرح الحلول الممكنة يصبح المقال خاوياً من المنافع التي يمكن أن يقدمها على أرض الواقع

  2. لا يكتمل أي طرح أو نقد أو تحليل ما لم يطرح الحل أو البديل .
    المقال جيد جدا وكان يفضل التدليل بوضع اقتباسات اكثر مدعومة بالمصادر .وإن يختم بوضع تصور شامل للحل وألياته.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *