صناعة الأقليات واستغلالها كسلاح: الجزء الأول

أليس في استغلال الأقليات لأهداف متنوعة تصنيع لسلاح جديد؟ قد يبدو السؤال غريبا لكن مع كل ما يحدث في العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، فقد أصبح من الضروري طرح السؤال والتفكير في جواب عنه.

عند الحديث عن «الأقلية» فإننا نشير إلى تلك الفئة المختلفة عن أغلبية أفراد المجتمع، تلك الفئة التي لديها ما يميزها عنهم، تلك الفئة القليلة هي التي ستكون موضوع هذا الطرح إن شاء الله، كيفية صناعتها ودعمها أو استغلالها كسلاح لخلق النزاعات المختلفة أو لتفريق دول وأمم معينة-سواء بعلم منها أو دونه-.

صنع الأقليات

تختلف طرق صنع الأقليات باختلاف الصانع والغاية، وبالخصوص حسب الوسط الذي ستزرع فيه؛ فقد يكون الصانع دولة أخرى تبتغي أن تجد لها أتباعا داخل مجتمع ذا منظومة عقدية ثابتة كما الحال مع إيران مثلا وزرعها لبذور التشيع في فلسطين-غزة بالخصوص-.

إما أن تكون عملية الزرع خاصة بإدخال أفراد على المجتمع المستهدف (بداية الاحتلال الأوروبي لإفريقيا نموذجًا) أو أن تكون تغييرًا لعقيدة أفراد من المجتمع ذاته-تغيير عقيدتهم لأخرى مناسبة لأهداف الصانع-كما يحدث لسكان المغرب الذين يتم تمييعهم منذ سنوات كي يسهل جعلهم سدًا يحول بين أوروبا وبقية مستعمراتها السابقة وما قد تنتجه من أخطار أمنية، فما هي الطرق المستخدمة لذلك؟

الطرق المختلفة لدمج الأقليات في المجتمع

تختلف الطرق المستخدمة باختلاف العناصر ذاتها المذكورة سابقًا (الصانع، الغاية والمجتمع المستهدف)، فلكل مجتمع خصوصياته والطرق المناسبة لاختراقه؛ فلن يتم استهداف القبائل الإفريقية البدائية بالإعلام المرئي مثلا بسبب افتقادهم للكهرباء والأجهزة التلفزيونية، فكل مجتمع وخصوصيته التي تجعل له وسيلة استهداف خاصة، ولنا أن نذكر أهمها:

  • الإعلام

وقد يكون أقواها، ويتم استخدامه على ثلاثة مراحل: إبعاد المخاوف المرتبطة بالعنصر الدخيل على المجتمع–أي نزع جهازه المناعي-، استحسان العنصر الدخيل والعمل على تقبله واعتباره نافعا للمجتمع، ثم إدماجه واعتباره جزءًا لا يتجزأ من المجتمع.

هي ثلاثة محطات أساسية قد تأخذ سنوات من العمل من أجل إنجاحها لكنها تؤتي ثمارها في النهاية فتسمح لهذا العنصر الجديد أن يصبح جزء من مجتمع لا يجد إلا القبول به.

(لمعلومات أكثر حول طريقة تلاعب الإعلام بالجماهير يمكن الاطلاع على موضوع 11 طريقة يؤثر بها الإعلام على المتابع)

  • صلة القرابة

ويتم استخدامها في حالة التعامل مع مجتمع منغلق صعب الاختراق، فيتم التركيز على القبول بكل شخص شاذ عن عقيدة المجتمع من طرف عائلته باسم القرابة، فيستغل هذا الشخص في نشر أيديولوجية معينة تحت حماية عائلته، وقد نجد لها صيغة أخرى أشد فتكا كأن يصبح ابن لصاحب مكانة وكلمة مسموعة هو صاحب العقيدة الشاذة فيسمع له ويطاع ثم يتبع من طرف مجموعة تصبح هي الأقلية الجديدة.

  • المصالح

وتكون بربط مصالح الشعب بضرورة قبول هذه الأقلية، كما الحال مع أوروبا في النصف الثاني من القرن الماضي، عندما وجدت أن من مصلحتها فتح الباب أمام استقبال المهاجرين إليها كي تبني بسواعدهم مستقبلها، فعملت على دمجهم ضمن مجتمعاتها قبل أن تفرض عليهم الاندماج الثقافي بشروطها الخاصة لما لمست تأثيرهم على قيمها وتصوراتها.

  • القوة المادية

وقد يكون أحسن مثال واضح لها هو ما حدث في بورما في القرون الثلاثة الماضية لما اعتمدت القوى الداعمة على تقوية البوذيين من أجل جعلهم أصحاب القرار والقوة وإن كانوا هم الأقلية، بهدف إضعاف أي دور للمسلمين.

  • القوة الناعمة

وتكون أساسًا عبر نشر الأفكار المختلفة التي يتم قبولها باسم «قبول الاختلاف واحترام الآخر» فتسهر على ذلك منظمات وجمعيات-بعلم منها أو دونه-فتدخل على المجتمع أفكار تصنع أقليات عديدة تطالب كل منها بحرية أكبر في التعبير عن نفسها.

لكن كيف لكل هذا أن يحدث والمجتمع لا يتحرك؟

إضافة إلى كل من العوامل الداخلية والعوامل الخارجية، سنجد أن إنجاح العملية يتم اعتمادًا على وسائل أهمها دعم الأقليات:

ماليا: سواء المبالغ المالية بشكل سري أو بشكل علني كالمساعدات والهبات، ولنا مثال في جمعيات نسوية مغربية استفادت أكثر من مرة من دعم مالي من الاتحاد الأوروبي مقابل الاستمرار في مزاولة أنشطتها التي لا تخرج عن دائرة «تحرير المرأة» من قيود الإسلام (خبر الوثائق التي أصدرها الوزير لحبيب الشوباني).

بالخبرات: وخير مثال عليها هو الدعم المقدم للكيان الصهيوني إبان نشأته، فتم فتح الباب أمام مختلف المتخصصين من مختلف أنحاء العالم لتقديم خبراتهم في شتى المجالات لتسريع زرع هذا الكيان ضمن مجتمعات المنطقة.

إعلاميا: عبر الطرق الثلاثة المشار إليها سابقًا (نزع المناعة–استحسان الدخيل–اعتباره جزءًا من المجتمع) فيتم إعداد المجتمع للقبول بالدخيل تارة باسم الحداثة وتارة أخرى باسم الدين والتسامح.

بالقوانين الوطنية والدولية: وهي نتيجة حتمية لما سبق؛ حيث يضطر المجتمع لتحديث ترسانته القانونية كي تصبح قادرة على التعامل مع التغيير الجديد، فتضاف استثناءات له ليصبح بعض ما حرم سابقًا حلالًا لمن هو فرد من تلك الأقلية، وتبقى مجرد مسألة وقت، متى يصبح ما حلل مؤخرا مقبولا لدى المجتمع وإن على استحياء كما هو الأمر بالنسبة للخمر والفجور في عدد من مجتمعاتنا التي تجاوزت مرحلة التطبيع معه واقتربت من تقبله بتقليص العقوبات الواقعة على من أتاه، فيما القوانين الدولية تفرض تحررًا أكثر كي تتناسب الدولة والمجتمع مع العالم الجديد.

أين المشكلة إذن؟

المشكلة في النتائج من قبيل:

-زرع نموذج لفكر معين مشخصا في جماعة تكون قطبا يجتمع حولها أنصارها من أبناء المجتمع، ما يزرع بوادر التفرق والتشرذم خاصة بسبب اختلاف عقيدة كل طرف.

-زرع جسم «دخيل» يؤثر في تحقيق وحدة الأيديولوجيا لأمة معينة مثلا، وينعكس على عقيدتها التي قد يمسها تحريف كما الأمر لأمتنا منذ تولى أمرها العملاء.

-يعطي سببا لاستخدام العلمانية خاصة إن تعرضت هذه الأقلية للاضطهاد، مما يدفع المجتمع إلى السعي في سبيل إثبات براءته من كل تشدد أو قلة تسامح.


الخلاصة المُركَّزة للموضوع

طريقة صنع الأقليات ودمجها في المجتمع من أجل اختراقه:

1-صنع الأقلية أو استيرادها.

2-موضعتها ضمن المجتمع.

3-إظهارها بمظهر النافع.

4-السماح لها بنشر أفكارها بشكل غير مباشر في البداية ثم بشكل مباشر إن أصبحت أقوى.

5-دعمها بالوسائل المختلفة.

6-تصويرها والمجتمع ككيان واحد / هنا يمكن صناعة عدو مشترك /.

7-إعطائها ثقلا ضمن ميزان القوى الموجهة للمجتمع وصانعي القرار.

8-تحريكها لضرب وحدة المجتمع وزرع التفرقة فيه وإبعاده عن نحث أيديولوجية خاصة به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى