ما بعد سقوط الجدار.. موجز تاريخ أوروبا خلال الثلاثين عاما الماضية

شهدت أوروبا خلال الثلاثين عامًا التي تلت سقوط جدار برلين تكاملًا أعمق، لكنها صارعت أيضًا تهديدات جديدة لقيمها الأساسية ومؤسساتها؛ هذه خلاصة التاريخ الأوروبي خلال العقود الثلاثة الماضية، حسبما قدمها الباحثان جيمس ماكبرايد وجين بارك في تقريرٍ نشره مجلس العلاقات الخارجية. 

أرسى سقوط جدار برلين عام 1989 الأساس ليس فقط لتدشين مؤسسات جديدة ولكن أيضًا لقيام دول جديدة، وفي بعض الحالات أشعل أيضًا نزاعات جديدة. وفي تلك العقود الثلاثة التي انقضت منذ انتهاء انقسام ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفيتي، تبلور الاتحاد الأوروبي، لكنه عانى في الوقت ذاته من آلام متزايدة بمرور الوقت؛ حيث واجه توسعه شرقًا تحديًا متجددًا من روسيا، ووجدت الكتلة نفسها في صراعٍ مع أزماتٍ اقتصاديةٍ وضغوطٍ من موجات الهجرة المتزايدة ونزعةٍ قوميةٍ متناميةٍ بل وانقساماتٍ حول مستقبل المشروع الأوروبي برُمَّته.

أوروبا تعيد رسم حدودها

بعد بناء جدار برلين في عام 1961، أصبح رمزًا صارخًا لتقسيم الغرب الديمقراطي عن الشرق الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة. ومهَّد سقوطه في 9 نوفمبر 1989 الطريق لإعادة توحيد ألمانيا في الثالث من أكتوبر 1990، وتحرير بلدان وسط وشرق أوروبا، التي كانت في السابق ترزح تحت نير حلف وارسو مع الاتحاد السوفيتي.

في ديسمبر 1991، تفكك الاتحاد السوفيتي إلى 15 جمهورية مستقلة، كان الاتحاد الروسي أكبرها. وفي غُرَّة يناير 1993، انقسمت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين منفصلتين، جمهورية التشيك وسلوفاكيا، فيما سمي بــ”الطلاق المخمليّ”. وأدى انهيار يوغوسلافيا في عام 1991 إلى نشوب حربٍ استمرت لعقد من الزمان، وتحولت إلى تطهير عرقي وإبادة جماعية. في النهاية، أصبحت البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا وسلوفينيا دولًا مستقلة.

تجارب روسيا مع الرأسمالية والديمقراطية

مع حل الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991، شهد الاتحاد الروسي المُشَكَّل حديثًا أول رئيس منتخب ديمقراطيًا، هو بوريس يلتسين، الذي شرع على الفور في تنفيذ إصلاحات موجهة نحو السوق: رفع الحواجز التجارية، والتخلي عن السيطرة على الأسعار، وسحب الإعانات الحكومية. بيد أن هذا النموذج من العلاج بالصدمة أدخل البلاد لفترةٍ إلى نفق التضخم الحاد، ما أدى إلى تآكل مدخرات الملايين من المواطنين الروس العاديين، وزيادة معدلات الفقر بشدة.

على الرغم من تدهور شعبية يلتسين كثيرًا، إلا أنه فاز بولاية ثانية في انتخابات 1996 التي شابتها مخالفات. ودعمت طبقة الأوليجارشيين الناشئة محاولة إعادة انتخاب يلتسين في مقابل الحصول على حصة مسيطرة في العديد من أكبر شركات المعادن والنفط في البلاد.

لكن في عام 1998، تخلفت روسيا عن سداد ديونها السيادية وانهار اقتصادها. وكان ذلك، بالإضافة إلى ارتفاع الفساد والجريمة المنظمة وعدم المساواة في الدخل، نكسة كبيرة للديمقراطية الروسية.

ولادة الاتحاد الأوروبي

أدى سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي إلى تسريع الاندفاع نحو تكامل أوروبي أعمق، وهو مشروع بدأ بجدية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع تأسيس مجتمع الفحم والصلب الأوروبي في عام 1951، والجماعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1958.

تأسس الاتحاد الأوروبي رسميًا بموجب معاهدة ماستريخت عام 1992، التي وضعت إطارًا لعملة وسياسة دفاع وأمنية مشتركة؛ فيما دشنت معاهدة لشبونة عام 2007 الهيكل الحالي للاتحاد الأوروبي.

بموجب هذه المعاهدات، وافقت الدول الأعضاء الثمانية والعشرون على تجميع سيادتها تحت راية واحدة، وتفويض العديد من صلاحيات صنع القرار إلى الاتحاد الأوروبي. ويشمل ذلك منطقة لا تتطلب جوازات سفر، تعرف باسم منطقة شنغن. مع إقرار حرية حركة المواطنين كواحدة من “الحريات الأربع” التي اعتمدتها الكتلة، إلى جانب حركة السلع والخدمات ورأس المال.

إعادة تعريف السيادة

أشعل تفكك يوغوسلافيا، في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، عقدًا من الصراع، ما أدى إلى إعادة تقييم السيادة الوطنية ومسؤولية القوى الخارجية لوقف الأعمال الوحشية. 

ودفعت مذبحة عام 1995، التي راح ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم بوسني في سريبرينيتسا، منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى شن غارات جوية ضد قوات صرب البوسنة المتورطة، ما مهد الطريق لاتفاق دايتون، الذي أنهى الحرب البوسنية. وتدخل حلف الناتو أيضًا ضد القوات الصربية في كوسوفو عام 1999 لحماية الكوسوفويين من العرقية الألبانية.

جادل مؤيدو هذه التدخلات بأن العمل في يوغوسلافيا السابقة- والذي كان في بعض الأحيان دون إذن الأمم المتحدة، حيث عارضت الصين وروسيا، عضوا مجلس الأمن، حملة كوسوفو- كان مُبَرَّرًا بضرورة وضع حقوق الإنسان فوق سيادة الدولة. وفي عام 2005، تبنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع مبدأ “مسؤولية الحماية”، الذي وضع الأساس للعمل الدولي لوقف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. منذ ذلك الحين، ومع ذلك، فإن التدخلات الدولية المثيرة للجدل في أماكن مثل ليبيا قد وضعت تلك العقيدة موضع تساؤل. 

أوروبا موحدة وحرة

مهدت إعادة توحيد ألمانيا الطريق أمام دول الكتلة الشرقية السابقة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2004 و 2007، قفز عدد أعضاء الاتحاد الأوروبي من 15 إلى 28، بانضمام دول أوروبا الوسطى بما في ذلك جمهورية التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا، وكذلك دول البلطيق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. 

وأعرب الكثيرون عن أملهم في أن يحقق ذلك رؤية أوروبا الموحدة “الكاملة والحرة” على النحو الذي عبر عنه لأول مرة عام 1989 الرئيس الأمريكي جورج هربرت ووكر بوش.

لكن التوسُّع تباطأ منذ ذلك الحين، حيث خاضت الكتلة صراعا مع الأزمات الاقتصادية وضغوط الهجرة وتصاعد القومية. ومنذ عام 2007 لم يفتح الاتحاد أبوابه إلا أمام كرواتيا لتصبح عضوًا في عام 2013. بينما توقف ترشيح تركيا- الذي كان مثار جدل بالفعل خشية حجم الدولة، وسجلها في مجال حقوق الإنسان واستقرار اقتصادها- وسط تنامي سلطوية الرئيس رجب طيب أردوغان، فيما توقفت كافة جهود التوسع الأخرى.

مركز الثقل الأوروبي يتحوَّل شرقًا

أدى قرار ألمانيا بعد إعادة التوحيد بإعادة عاصمتها من بون إلى برلين، في ما كان ألمانيا الشرقية، إلى توسع الاتحاد الأوروبي شرقًا. حيث نقلت حدود الكتلة التوسعية ألمانيا تدريجيا من حدود أوروبا إلى وسطها، وزادت من أهمية بلدان وسط وشرق أوروبا داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

على وجه الخصوص، أثار دور بولندا المتزايد في الاتحاد الأوروبي الآمال في تعاون أعمق بين الشرق والغرب، مع تولى رئيس الوزراء البولندي السابق دونالد تاسك منصب رئيس المجلس الأوروبي في عام 2014. لكن الرؤية الشعبوية المحافظة التي تبناها حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، الذي يمسك بزمام السلطة منذ عام 2015، أثار التوترات مع برلين.

صعود ألمانيا

عاد القلق بشأن دور ألمانيا في أوروبا إلى الظهور بعد سقوط جدار برلين. وعلى الرغم من التفاؤل في ذلك الوقت، عارض بعض الزعماء الغربيين إعادة توحيد ألمانيا، خوفًا من أن تصبح برلين مرة أخرى قوة مهيمنة. 

في الواقع، سرعان ما واجه النمو البطيء، المدفوع بتكاليف إعادة التوحيد، إصلاحات واسعة النطاق في سوق العمل وازدهار صناعي جعل ألمانيا قوة اقتصادية بلا منازع في القارة. بينما رأى العديد من المحللين أن إنشاء الاتحاد الأوروبي في جزء كبير منه كان محاولة لتقييد النفوذ الألماني، من خلال ربط قوة هذا البلد الاقتصادية بعملة مشتركة وتحالف يتجاوز الحدود الوطنية.

لكن بينما أدت هذه الهيمنة إلى زيادة نفوذ القيادة الألمانية في الشؤون الأوروبية، فقد أدت أيضًا إلى توترات جديدة. ففي عهد المستشارة أنجيلا ميركل، التي شغلت المنصب منذ عام 2005، أثارت ألمانيا غضب العديد من الدول المنكوبة بالأزمة المالية من خلال الإصرار على سياسات التقشف الصارمة والإصلاحات الهيكلية كشرط لعمليات إنقاذ الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2015، قلبت ميركل السياسة الأوروبية رأسًا على عقب من خلال السماح بدخول أكثر من مليون لاجئ من إفريقيا والشرق الأوسط، مما أثار جدلاً لا يزال محتدمًا حول سياسة الهجرة.

توتر العلاقة بين فرنسا وألمانيا

منذ تأسيس المشروع الأوروبي، كان يعتمد على تحالف ما بعد الحرب بين فرنسا وألمانيا. وتعززت المصالحة بين الأعداء الألداء بتوقيع معاهدة الإليزيه عام 1963 بين الرئيس الفرنسي شارل ديجول والمستشار الألماني كونراد أديناور. وألزمت المعاهدة البلدين بتوثيق التعاون في السياسات الاقتصادية والدفاعية والخارجية.

قبل إعادة التوحيد، كانت فرنسا وألمانيا الغربية متساويتان تقريبًا من حيث عدد السكان والزيادة الاقتصادية. لكن منذ عام 1990، تغير ميزان القوى بشكل مطرد لصالح ألمانيا، حيث قدمت باريس وبرلين رؤيتان متنافستان للاتحاد الأوروبي. وكانت فرنسا في بعض الأحيان من أشد المنتقدين للتقشف المدعوم من ألمانيا، وداعية إلى تكامل أعمق في الاتحاد الأوروبي بين الأعضاء الأساسيين، ومشككة في توسع الاتحاد الأوروبي، بينما كانت ألمانيا مترددة في دعم المقترحات الفرنسية. وسعت ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتولى السلطة منذ عام 2017، إلى تجسير هذه الاختلافات، واتفقا على تحقيق ميزانية مشتركة لمنطقة اليورو وجيش مستقل للاتحاد الأوروبي. كما وقعا عام 2019 على تحديث لمعاهدة الأليزيه، ينص على مزيد من التكامل الاقتصادي.

مستقبل الناتو غير مؤكد

أثار انهيار الشيوعية أسئلة وجودية تتعلق بحلف الناتو، الذي تأسس عام 1949 لحماية أوروبا من الغزو السوفيتي. وعلى الرغم من احتجاج روسيا، وتردد بعض دول أوروبا الغربية، دافعت الولايات المتحدة عن توسيع حلف شمال الأطلسي بعد الحرب الباردة كوسيلة لتعزيز المكاسب الديمقراطية في أوروبا الشرقية. وسرعان ما نمت عضويته من 16 إلى 29 دولة، بانضمام دول كانت سابقًا ضمن المدار السوفيتي مثل بلغاريا وبولندا، فضلًا عن ثلاث دول سوفيتية سابقة وجمهوريات البلطيق إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.

في الوقت ذاته، تطورت مهمة الناتو لتشمل عمليات استباقية “خارج المنطقة”. وتدخَّل الحلف في نزاعات البوسنة والهرسك وكوسوفو في التسعينيات، وأفغانستان ابتداء من عام 2001، وليبيا في عام 2011.

منذ عام 2014، دفع التحدي الذي شكلته روسيا قادة الناتو إلى التركيز على زيادة الاستعداد العسكري على الحدود الشرقية للحلف. لكن واشنطن كانت تنتقد منذ فترة طويلة أوروبا لعدم إنفاقها ما يكفي على دفاعها، وحين تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه تعهد بتحسين تقاسم الأعباء داخل الناتو، بل لوَّح بالانسحاب من الحلف تمامًا. دفع ذلك ميركل والقادة الآخرين إلى المضي قدما في خطط لتشكيل جيش للاتحاد الأوروبي.

التحدي الروسي

اعتمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي شغل منصبي الرئيس ورئيس الوزراء تباعًا منذ عام 1999، على مركزية السلطة التنفيذية وتقويض الصحافة الحرة، ونقض عُرى العديد من الإصلاحات الديمقراطية طُبِّقَت في التسعينيات. كما وضع روسيا على مسار تصادمي مع الدول الغربية، وسعى إلى إحياء مجال نفوذ موسكو في أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.

أعرب صناع السياسة الروس عن انزعاجهم من جهود توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، واستند بوتين إلى هذه الشكاوى لتبرير تدخلاته في الخارج، بما في ذلك غزو جورجيا عام 2008، التي كانت تسعى للحصول على عضوية الناتو. وفي عام 2014، تدخلت روسيا في أوكرانيا ردًا على تشكيل حكومة جديدة موالية للغرب، فضمت شبه جزيرة القرم ودعمت الميليشيات الانفصالية في منطقة دونباس الشرقية. 

ومنذ ذلك الحين، كثف بوتين جهوده لتوسيع النفوذ الروسي إلى الخارج، وإرسال قوات لدعم حكومة بشار الأسد في سوريا، والسعي لتدشين علاقات طاقة جديدة في أوروبا، والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 والاستفتاء البريطاني على الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي. وردت أوروبا والولايات المتحدة بفرض عقوبات وتحركات أخرى لعزل موسكو، لكن هذه المسألة قسمت زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين يطالب بعضهم بتوثيق العلاقات الدبلوماسية مع روسيا.

العملة الأوروبية غير المكتملة

دخل اليورو، الذي نشأ بموجب معاهدة ماستريخت، إلى مرحلة التداول الكامل في عام 2002. لكن القصور الذي يشوبه أصبحت واضحة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. ذلك أن العديد من الدول الواقعة على أطراف الاتحاد الأوروبي، مثل اليونان وأيرلندا والبرتغال، كانت مثقلة بديون حكومية غير مستدامة، وسرعان ما وجدت نفسها غير قادرة على الاقتراض من الأسواق الدولية، مما أجبرها على اللجوء إلى البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والحكومات الأوروبية الأخرى للحصول على دعم طارئ.

 وعلى الرغم من عمليات الإنقاذ والإصلاحات الاقتصادية المؤلمة، لا تزال العديد من الدول ترزح تحت وطأة النمو المتدني، والبطالة المرتفعة، والديون الهائلة، مما يؤجج نيران النزاعات حول مستقبل السياسة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.

ضغوط الهجرة

لطالما واجهت أوروبا منذ فترة طويلة صعوبة في دمج مجتمعاتها المسلمة، التي وصل الكثير منها من المستعمرات السابقة كما في حالة شمال إفريقيا، أو كعمال كما في حالة المهاجرين الأتراك في ألمانيا. وحذر بعض الخبراء من ظهور “مجتمعات موازية”، بينما قال آخرون إن هناك حاجة إلى المزيد من المهاجرين لدعم سكان أوروبا الذين يتقدمون في العمر بسرعة.

ومنذ عام 2015، أصبحت الهجرة هي القضية أكثر إلحاحًا؛ حيث شهدت أوروبا تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا. ونتيجة لعدم وجود استجابة موحدة للأزمة، ظهرت توترات في الكتلة، بين بلدان ،مثل اليونان وإيطاليا، تستقبل الجزء الأكبر من الوافدين ودول أخرى، مثل المجر وبولندا، ترفض استقبال المزيد من المهاجرين.

واتبعت دول الاتحاد الأوروبي تدابير مثيرة للجدل للحد من التدفق، بما في ذلك اتفاق عام 2017 لإعادة المهاجرين إلى ليبيا، واتفاق عام 2016 مع تركيا لإبقاء اللاجئين السوريين هناك.

بريكست وصعود القومية

تعرضت رؤية الوحدة والتكامل الإقليمي والتعاون عبر الحدود التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي إلى ضغوط متزايدة من القوى السياسية الشعبوية والمشككة في جدوى التكتل. وأدى عقد من النمو المتدني، الذي يزعم الكثيرون أن جذوره تمتد إلى تدابير التقشف التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، إلى خيبة الأمل في الاتحاد، ناهيك عن عدم وجود استجابة منسقة لأزمة الهجرة في القارة.

وتعززت الأحزاب الشعبوية بشكل كبير في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خاصة في إيطاليا وفرنسا. وفي ألمانيا، أصبح “البديل من أجل ألمانيا” المناهض للهجرة هو أول حزب يميني متطرف يفوز بمقاعد في البرلمان منذ الحرب العالمية الثانية، استنادًا إلى حد كبير على دعمه في ألمانيا الشرقية السابقة.

اتخذت هذه الاتجاهات أكثر أشكالها دراماتيكية في المملكة المتحدة، حيث أدى التناقض الطويل الأمد نحو التكامل الأوروبي إلى جانب القلق المتزايد بشأن الهجرة والإرهاب إلى تصويت البلاد عام 2016 على مغادرة الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن يؤدي رحيل المملكة المتحدة، الذي تأخر مرارًا وتكرارًا، إلى حدوث صدمات اقتصادية وجيوسياسية في جميع أنحاء القارة.

الانجراف عبر الأطلسي

شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا ما بعد الحرب الباردة نوعا من المد والجزر. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أظهرت القارة تضامنها عبر حلف الناتو، ودعم الحلفاء الأوروبيون الحرب الأمريكية في أفغانستان. لكن غزو واشنطن اللاحق للعراق في عام 2003، الذي اعتبرته القوى الأوروبية بما في ذلك ألمانيا وفرنسا غير مشروع، دفع العلاقات المتوترة تقريبًا إلى شفا جرفٍ هار.

تحسنت العلاقات في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لكن التوترات استمرت بسبب نقص التمويل المزمن لحلف الناتو، والكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على المواطنين الأوروبيين. في الوقت ذاته، عمل أوباما عن كثب مع الحلفاء الأوروبيين للتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015 مع إيران، واتفاق باريس بشأن المناخ، والاتفاق التجاري الطموح بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي لم يكتمل بعد، والمعروف باسم الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي.

ثم جاء ترامب، ليتبع نهج المواجهة، مما أثار شكوكًا غير مسبوقة حول مستقبل العلاقات عبر الأطلسي. فبالإضافة إلى انتقاده حلفاء الناتو، سعى لتدشين علاقات أكثر دفئًا مع بوتين، وزيادة الرسوم الجمركية على الشركاء الأوروبيين، ما أجهض تقريبًا اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلسي.

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى