دكتور غاري ميلر وتصيد أخطاء القرآن

كان في بادئ أمره يجتهد دون عناء، في تفحص القرآن الكريم ليتصيد الأخطاء، وبعد مدة ليست بالطويلة، ولا بالقلة النادرة القليلة، دُهش الرجل وأصابه الذهول، فقد ظن أن نجم الإسلام في أفول، فهل هذا هو القول الفصل! الذي ليس فيه لهو ولا هزل!

كانت المجلدات المبعثرة  قد غطت سواد مكتبه ذات مساء، فنزع نظارته ليحك عينيه من شدة التعب والإعياء، ليرى الحقيقة بصفاء، فقال في نفسه-وكله أمل و رجاء-:

“لقد سمعتهم يقولون: هذا هو كتاب الله، الذي أنزله على رسوله ومصطفاه وحبيبه ومجتباه، فأين الذي كنتُ أبحث عنه منذ زمـــــــن ؟! هل اندثر أو أصابه العطن!! لطالما تساءلت عن القرآن كثيرًا: أين الجَمل والفَرس و البيداء! أين الخيام المنصوبة التي تسد فيافي الفضاء! والذي يُحلف به! وإن كان مصدره ربانيًا، إنه لكتاب رث بالقد علا عليه الغبار، وعفا عنه الزمن وتباعدت به الأمصار، فلا بد أن سوره وآياته الطوال والقصار، قد أرمت وتفتت  كالعظام، وتبددت أفكاره وقيمه ومبادئه في سواد الظلام، وتلاشت نظمه وأساليبه بين الغمام !”

بعد هذا المنولوج المعبر عن حديث النفس، ظهر معدن الرجل وما اشتمل عليه فؤاده من رجس، فهو ينقب بخلفية فكرية، ويتساءل  ويجيب عن نفسه المغرورة العنجهية، فعجبنا له يسأله ولا يصدقه، ويعرف الحق ولا يحققه! لكن الحق أبلج وضَّاح، تتلألأ فيه القضايا الصحاح، فلا حجب فيه ولا أستار، ولا خفايا ولا أسرار! قال الواحد القهار:

بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون

آية سحرت ميلر

أخذ يقلب صفحات المصحف بشطط، علَّه يجد ما  يشفي غليله من لغط، ليته يظفر بما يؤخذ على هذا القرآن من خطأ، فوقف شعر رأسه وتعثرت منه الكلمات، وسقط قلمه على تلك القراطيس الملونات، فسال حبر الباطل وذاب، ودلف الحق ومعه الصواب! لقد تضعضع أمام آية باهرة، وقدرة قاهرة صعق بآية ألا وهي قول العلي الأعلى في كتابه الأسمى:

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا

لقد انهارت قواه، وما عادت تحمله رجلاه، ترى ما السبب؟! وكم قرأنا هذه الآية فلم نصب بالعجب!

إن السبب الذي أثر في الرجل هو التحدي في إيجاد اختلافات وتناقضات في كتاب رب الأرض والسماوات، وقد تناهى إلى علمه أن مبدأ إيجاد الأخطاء، من الأمور المستقرة عند العلماء، فبحث وغربل، وغطى وسربل! لكن الآية تنص على أن القرآن مع إنكاره على الكفار إلا أنه يلفت لهم الأنظار إلى إعجاز القرآن الذي يدركه كل ذي عقل لبيب،  وفكر متحرر أريب، فيرى في سوره وآياته التناسق والصدق والكمال والحضور، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه الاختلاف  والكذب والتناقض والقصور!

تعامل آخر مع القرآن

فيا لها من آية واضحة جلية، مررنا عليها دون تأمل وروية، فتعاملنا مع القرآن عمومًا تعاملًا غلبت عليه سمة الروتينية، فزالت الرهبة والربانية، وخمدت جذوة النور والروحانية، وأصبحت تلاوتنا القرآنية كقراءة وقائع الجرائد اليومية، ومن الناس من يتصفح المصحف همه النهاية وكفى،  فيحرك رأسه على آياته كتاريخ  قد مضى، ودهر قد ولى وانقضى، فالكتاب موجود ومفقود، نتبرك بآياته، ولا نتدبر أهدافه وغاياته،  ولا نقف عند أسراره ومعجزاته!

هب أنك كنت مستغرقًا في تلاوة القرآن، فوفقك الله وقد قرأت تسعًا وخمسين آية من سورة آل عمران، والتي نزلت تغطية إعلامية شاملة لغزوة أحد، تُصوِّر مشاهدها وترقب أحداثها، تبين عللها وتصف أدويتها، فهل استفدنا من دروسها الثرية! أم هل عالجت قروح قلوبنا سياطها الوعظية! فلنصطلح مع ربنا، ولنعد للقرآن ولنثب إلى رشدنا، فالقرآن هو حياتنا وارتقاؤنا، ومصدر عزنا وبقائنا.

دلائل على عظمة القرآن

بحث الرجل وتعب، وأرهقه النصب، فتجربته ثرية! ورحلته شاقة ذات صبغة فكرية! كان يتوقع أن يجد في القرآن الأحداث العصيبة، التي مرت على النبي-صلى الله عليه وسلم-في الأزمنة الرهيبة؛ مثل وفاة خديجة، زوجه وزاده، أو وفاة بناته وأولاده، ومما زاد حيرته، أنه وجد في القرآن الكريم بغيته، سورة كاملة تسمَّى مريم، وفيها تعريف بها، وتشريف لها ما لا يوجد له مثيل في كتب النصارى، ولا في أناجيلهم من صريح العبارة! وقد اجتهد الرجل في إيجاد سورة باسم عائشة أو فاطمة-رضي الله عنهما-فلم يجد المطلوب، ولم يظفر بالمرغوب.

وما زال الرجل مع القرآن يتتبع  آياته، باحثا عن زلاته، فأنار له قلبه من شموس هداياته، فقام بإحصاء اسم عيسى -عليه السلام- فوجده في خمس وعشرين موضعًا بالتمام، في حين أن محمدًا-صلى الله عليه وسلم-النبي الأمي، الطاهر الزكي، لم يذكر إلا أربع مرات، فتنازعت قلبه الحسرات، فاهتدى أن القرآن هو كتاب الله الأكرم، يهدي للتي هي أقوم.

هذه هي قصة الدكتور غاري ميلر Gary Miller، من أكبر الدعاة إلى النصرانية، كان هو من الذين لديهم علم غزير بالكتب المقدسة الربانية، أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في قسم الرياضيات، فقد كان ذا شغف كبير بما فيها من التسلسل المنطقي للعمليات.


إعداد: عبد الغني حوبه

عبد الغني حوبة

أستاذ بمعهد العلوم الإسلامية جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي-الجزائر، خطيب بمسجد الصحابة تكسبت الوادي، ماجستير… More »

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى