ما لا تعرفه عن دول آسيا الوسطى الإسلامية وما ذاقته من الإحتلال والغزو الروسي؟

كم منا قد علم بالاحتلال الروسي لبلاد آسيا الوسطى (التركستان) والقوقـاز؟ رغم الفظائع التي ارتكبوها في تلك البلاد، لمحو الدين ونهب الثروات، والموارد! أو كم منا علم بهذه البلاد أصلًا. إننا لا نكاد نسمع عنها أو نعرف شيئًا!

بلاد وسط آسيـا بلاد تركستان، أطلق عليها المسلمون (بلاد ما وراء النهر) تمتد من تركيا غربًا، حتى حدود الصين شرقًا. وقُسمت لتركستان الشرقية، وتخضع للاحتلال الصيني، وتركستان الغربية التي وقعت تحت الاحتلال الروسي.

أهمية بلاد آسيا الوسطى

آسيا الوسطى

هذه بلاد غنية بالموارد والثروات الطبيعية، فهي تمتلك الكثير من احتياطي البترول، والغاز الطبيعي، والذهب، واليورانيوم، والأحجار الكريمة، والنفط خفيف الكثافة، وهو من أجود أنواع النفط. وما تتمتع به من خصوبة الأرض، وتنوع الطقس والثروات الزراعية، إلى جانب الثروات في بحر قزوين.

أهمية استراتيجية: تتمثل في كونها عقدة الوصل بين الصين وشرق آسيا شرقًا، وبحار الجنوب والمنافذ لمنطقة الخليج والنفط.

الإسـلام في بلاد وسط آسيا

دخلها الإسلام منذ عهد عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان هناك الكثير من القلاقل واستتب الأمر على يد قتيبة بن مسلم في عهد الوليد بن عبد الملك، وانتشر انتشارًا واسعًا في التركستان ونشأت فيها حضارة زاهية استمرت قرونًا. وظهر العديد من عظماء المسلمين: الإمام البخاري، الترمذي، النسائي، السرخسي، وغيرهم من أئمة المسلمين وأعلامهم. وأغلب المسلمين في تلك البلاد من أهل السنة من أتباع المذهبين الحنفي، والشافعي. لكن انتشار الإسلام في بلاد القوقاز اقتصر على جنوب البلاد.

اجتياح التتار

آسيا الوسطى

اجتاح التتار البلاد، وأسقطوا الدولة الخوارزمية، وخربوا الديار والبلاد، وظلوا قرابة قرنين من الزمان حتى ذلك الحدث الذي غير مجرى الأحداث، حيث ظهر أحد ملوك المغول في تركستان (بركة خان) وقد اعتنق الإسـلام 1256-1267م. ونشروا الإسلام في البلاد، وأصبح ما على امتداد نهر الفولجا من منبعه إلى مصبه إسلاميًا خالصًا، وامتد انتشار الإسلام إلى سيبيريا شمالًا وشرقًا، وفنلندا غربًا.. وكانوا حماة لحدود دولة الإسلام.

دور العثمانيين في نشر الإسلام

عمل العثمانيون على تقوية الإسلام بين الشعوب والقبائل، وأرسلوا الدعاة، واستمر نشاطهم حتى أصبح الإسلام هو المهيمن في البلاد. ووجدوا استجابة كبيرة، حتى أن أهل البلاد ممن اعتنقوا الإسلام ساهموا في نشر الدين.

الغزو الروسي ومراحله

آسيا الوسطى
القيصر الروسي إيفان الثالث.

قال الرحالة بن فضلان عن الروس:

بأنهم أكثر خلق الله جهلًا، وهم على عكس جيرانهم من البلغار، فقد ظلوا على الوثنية، وهم سفاكون للدماء، مولعون بالحروب، سرعان ما تنشب بينهم الحروب والنزعات الدموية، وتتفشى فيهم السرقة، ويكثر القتل، حتى أصبح عادة شائعة عندهم، وفي عرفهم أن الحكم النهائي للقوة، فإذا احتكموا إلى ملكهم، ولم يقتنعوا بحكمه يطلب منهم المبارزة بالسيوف.

ووصف ابن فضلان طقوس الوفاة عندهم، فقال: “أن الروس -سواء كانوا فقراء أو أغنياء- يحرقون موتاهم، وقد جرت العادة أن يموت الرجل بمحض إرادته حالما تموت زوجته”

إلا أنهم تحولوا للمسيحية الأرثوذكسية في عهد فلاديمير الكبير الذي فرضها بالقوة على شعبه. ولكن بقيت طبائعهم الوحشية فقد تميز الغزو الروسي بالإبادة للمسلمين وهويتهم، واللاإنسانية. لما ضعفت الخلافة العثمانية، امتدت أيدي الروس بالبطش بمسلمي دول وسط آسيا (التركستان) بداية من عهد إيفان الثالث.

إيفان الثالث 1480م: قاتل المسلمين، وحاربهم في دينهم وأخرج مسلمي التتار من موسكو بعد أن مكثوا فيها قرابة قرنين ونصف من الزمان.

عهد فاسيلي الثالث: وهو ابن إيفان الثالث، وتلقى الأوامر من البابا بطرد المسلمين ونفيهم إلى سيبيريا وسيهديه في المقابل بلاد القسطنطينية التي فتحها القائد العظيم محمد الفاتح.

إيفان الرابع “الرهيب”: أذاق المسلمين ما ذاقه أهل الأندلس على يد الإسبان، ففرض التنصير عليهم أو الطرد من البلاد، واستولى على حوض نهر الفولجا، وفرض النصرانية على بلاد البشكير فاستخفى أهلها بالإسلام حيث لا يستطيع الأب أن يكلم ولده عن الإسلام، إلا بعد أن يبلغ سنًا يطمئن فيه إلى تكتمه الأمر واستمر هذا 3 قرون حتى أعلن أحفادهم الإسلام في عهد القيصر الذي أعطى الحريات الدينية 1905م. كما احتل بلاد القفقاس التي كانت تابعة للعثمانيين.

بطرس العظيم “الحقير”: كسابقه تمامًا، فرض التنصير على المسلمين أو الفرار بدينهم، وبدأ يتوسع في أراضي المسلمين واحتل أزوف 1696م، واستعادتها الخلافة العثمانية 1700م. وحاول التوجه لاحتلال القوقاز، لكنه لم يصمد أمام مقاومة رجالها البواسل بقيادة النقشبندية الصوفية.

الإمبراطورة الروسية حنا 1738-1755: فرضت التنصير على المجرى الأوسط لنهر الفولجا، وأغلقت المدارس الدينية، ومُنِع المسلمون من ممارسة شعائر دينهم. وكان الأطفال يؤخذون عنوة ليضعوهم في المدرس التنصيرية لينشئوا على النصرانية الأرثوذكسية.

عهد كاترين 1762-1796: رغم أنها أعطت الحريات الدينية 1773م.. إلا أنها صادرت مئات الألوف من أراضي القرم، وقامت بالكثير من التوسعات على حساب أصحاب الأرض الأصليين.

عهد نيقولا الأول 1825-1855: عاد إلى الاضطهاد، ومنع الأذان واستمر في مصادرة أراضي المسلمين. واحتل إقليم طشقند، وسمرقند. كما ركز جهوده للقضاء على حركات الجهاد في القوقاز، وكثف الحملات ضد الشيخ شامل حتى نجح في القضاء على ثورته.

في كل مراحل الغزو، استهدف الغزاة نزع الإسلام من النفوس انتزاعًا، ومحو الهوية الإسـلامية، مع فرض دينهم وسياستهم، واستغلال ثروات البلاد ونهبها.. ولو تأملت قليلًا لعرفت لماذا يسمى الفتح فتحًا والسقوط سقوطًا..

ولو اطلعت على أخلاق الإسلام حين يدخل بلدًا فاتحًا لعرفت الفرق.. فإنما هو يبلغ رسالة رب العالمين، ولا يُكره الناس على اعتناق الإسـلام.. ولتوضيح الأمور أسوق إليكم ما كتبت زينب:

“أصل الجهاد في سبيل الله ليس لحمل الناس على اعتناق الإسلام كُرهًا؛ بل لإزالة الحواجز والعقبات المانعة من سماع دين الفطرة التي فطر الناس عليها، قال تعالى: (لا إكراه في الدين) يُـشرع لإزالة العقبات والموانع التي تمنع بسط حكم الله سبحانه على الأرض، ودخول الناس كلهم تحت سلطان حُكمه تبارك وتعالى، وشُرِع أيضًا لرفع الظلم عن المستضعفين في الأرض!”.

والناس في الغزوات والمعارك مخيرون بين ثلاثة:

  • إما أن يدخلوا في الإسلام ويكونوا إخوانًا للمسلمين.
  • وإما أن يختاروا البقاء على كُفرهم، ويؤدوا الجزية، ويخضعوا لسلطان الله وحكمه، ولهم ما لنا وعليهم ما علينا.
  • وإما أن يرفضوا هذا وذاك فيكون السيف فاصلًا بينا وبينهم. وبذلك يتحقق قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).

وعلى هذا المنهج والقواعد الجهادية الحكيمة والأسس النبوية الراشدة سار الذين حملوا أعباء هذا الدين وطافوا الأرض يبذلون الغالي والنفيس في سبيل تبليغ هذا الدين للناس أجمعين طاعة لله ورسوله، ورحمة بالناس وإشفاقًا عليهم.

حركات الجهاد والمقاومة

خلال هذه الفترة لم تنقطع حركات الجهاد والمقاومة، ولعل أبرزها:

  • الإمام منصور في عهد كاترين.
  • الإمام غازي محمد والإمام حمزات 1793-1832م
  • الإمام شامل في عهد نيقولا.

لينين وستالين والثورة البلشفية 1917 -الحزب الشيوعي الروسي-

آسيا الوسطى

كسب ود المسلمين واستمالتهم لإنجاح الثورة

نادى لينين الأقليات للثأر من حكم القياصرة، وعمـل لينين على تحييد المسلمين، وأخذ يرسم لهم أحلام الحرية ويزين الآمال، فبعد ما نزل بهم من القتل والحرق والتشريد، تغدو أبسط حقوق الحياة أملًا كبيرًا وقال في خطابه بعد أول شهر من الثورة:

“يا مسلمي روسيا، يا مسلمي الشرق، أيها الرفاق، أيها الإخوة، ثُوروا من أجل دينكم وقرآنكم وحرِّيتكم في العبادة، إننا هنا نُعلِن احترامًا لدينكم وقرآنكم وحريتكم في العبادة، إننا هنا نُعلِن احترامًا لمساجدكم، وإن عاداتكم وتقاليدكم محرَّمة لا يمكن المساس بها، ابنوا حياتكم الحرَّة الكريمة من دون أي مُعوِّقات، لكم الحق في ذلك، واعلموا أن جميع حقوقكم الدينية والمدنية مَصُونةٌ بقوة الثورة”

القمع والإبادة

ومال كثيرٌ من المسلمين إلى وعوده الزائفة، وحاول كثيرٌ من علماء المسلمين التوفيق بين الشيوعية والماركسية والإسلام، إلا أن هذا لم يمنع عمليات القمع والإبادة التي ازدادت بعد انهيار المقاومة التي استمرت حتى 1928م، وعمليات محو الهوية حيث مُنِعت اللغة العربية، وهجر المسلمون إلى سيبيريا.

الحرب العالمية الثانية، ثم العودة للتنكيل بالمسلمين

آسيا الوسطى

سمحت الحرب العالمية الثانية بهدنة بين ستالين والمسلمين في بلاد آسيا الوسطى، وبعد انتهائها عمل على إبادة المسلمين في القفقاس وجمهوريات آسيا الوسطى، وبلغ ضحاياه أكثر من 20 مليون مسلم.

كما قام لينين وستالين بتقسيم البلاد 1922م فظهرت أوزباكستان وتركمنستان 1924م. وطاجيكستان 1929م، وكازاخستان وقيرغيزيا 1936م كما قُسِمَت القوقاز.

تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره 1991م

تولى غورباتشوف 1985م ورفع شعار البيروسترويكا (الإصلاح، والمصارحة) واتجهت الجمهوريات لإعلان استقلالها، وحاول هو منع هذا الأمر إلا أنه اضطر في النهاية للاعتراف باستقلالهم. وقدم استقالته من منصبه بنهاية عام 1991م، وانتهى رسميًا الاتحاد السوفيتي كدولة.

أحوال المسلمين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي

آسيا الوسطى

ككل احتلال، لا يرحل إلا وقد ترك من يخلفه، ويضمن استمرار ما بدأه من محو هوية المسلمين، والحصول على أجيال لا تعرف عن الإسلام إلا كونها مسلمة.

استمرت العلاقات الأمنية والعسكرية مع الاحتلال، مع وجود إشراف روسي أمريكي على البلاد. وتواجد قواعد عسكرية في المنطقة، 4 قواعد في طاجيكستان: 2 روسية، قاعدة هندية، وأخرى فرنسية، قاعدتان في أوزبكستان: قاعدة أمريكية، وأخرى ألمانية. قاعدتان في قيزغزستان: قاعدة روسية، وقاعدة أمريكية.

هذا عدا عن السيطرة الثقافية، والاقتصادية وحركات التنصير وحكومات تخدم مصالح الغرب، وتقوم هي بالحرب على الإسلام والجهاد ومنع بناء المساجد وإعفاء اللحى، والحجاب خاصة في تركمانستان.

ورغم النسبة الكبيرة للمسلمين في البلاد، إلا أن الحكومات متأثرة بالطابع الشيوعي، أو العلماني، ورغم زعمها أنها دول ديمقراطية فهي تعادي الأحزاب ذات الشعارات الإسلامية، كحزب النهضة الذي ظهر في طاجكيستان وانتهى عام 2000م، والحركة الإسلامية الأوزبكية، وضيق عليها حتى انتهت عام 2001م، وحزب التحرير الذي يقبع الآلاف من أعضائه في السجون. كما ظهرت بعض القوى الدولية الساعية للسيطرة على البلاد.

خديجة يوسف

كاتبة مهتمة بالشـأن الإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى