هل تغدو جزيرة القرم أندلسًا أخرى؟

تعني “القرم” الكلمة التركية “القلعة” أو “الحصن” وهي جزيرة القرم تقع شمال البحر الأسود؛ يحدها من الشرق بحر أزوف، ومساحتها 26 ألف كم2، وسكانها مليوني نسمة وفقًا لتعداد 2001م. أهم مدنها هي العاصمة سيمفروبل، وكان اسمها فيما مضى «اق مسجد» أي «المسجد الأبيض» بلغة تتار القرم قبل أن يستولي عليها الروس، فلماذا استولى عليها الدب الروسي وما الذي يريده منها؟

وصل الإسلام الجزيرة، عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، فعندما وصل التتار إلى شبه جزيرة القرم جذبوا من كان فيها من الإغريق والإيطاليين إلى الإسلام، وكان يبذلون جهدهم في نشر الإسلام بين جيرانهم، ولقد استقر تتار القرم بشبه الجزيرة في نهاية النصف الأول من الثامن الهجري، وكانوا قسماً من دولة المغول، ثم استقلت دولة القرم تحت حكم كيراي منذ سنة (831 هـ -1427 م)، وقويت دولة القرم التتارية بمد نفوذها على الأراضي المجاورة لها

وبلغت قوتها أن إمارة موسكو كانت تدفع لها جزية سنوية في عهد السلطان محمد كيراي في النصف الأول من القرن العاشر الهجري

ثم خضعت موسكو لحكمها في سنة 979 هـ -1571 م، وقويت شوكة الروس وبدأوا في مهاجمة أطراف دولة القرم، والتي بدأت تضعف فاستولوا على القسم الشمالي منها في سنة 1091 هـ -1680 م، وهب الأتراك العثمانيون لنجدتهم، وتم تحالف بين تتار القرم والدولة العثمانية، فنزل العثمانيون جنوب شبه جزية القرم، ودام هذا التعاون قرابة قرن حتى ضعف الخلافة العثمانية واستيلاء الروس عليها مرة أخرى كما سيأتي.

القرم في العصر الحديث

القرم

بدايةً تتبع جزيرة القرم كإقليم إلى أوكرانيا لكنها تحكم وفق نمط ” الحكم الذاتي”، بيد أن الاحتجاجات التي نشبت قبل نحو عامين والغزو الروسي لضم القرم من جديد، نجم عنه استفتاء أيد فيها المنتخبون أن تصبح الجزيرة تحت سيطرة النظام الروسي بعيدًا عن السيطرة الأوكرانية بنسبة عالية وصلت لنحو 95%، الاستفتاء لهذه الجزيرة ذات الأغلبية المسلمة جرى تحت هذه الأوضاع:

  • تحت رعاية أكثر من 30.000 جندي روسي منتشرين في القرم وفي وقت مضطرب لم يُمنح الناس فيه الفرصة للاختيار.
  • لم يشارك في الاستفتاء فعليًّا سوى المؤيدين للانضمام إلى روسيا؛ حيث قاطع تتار القرم “المسلمون” وغيرهم من القوميين الأوكرانيين الاستفتاء الذي وصفوه بكونه غير شرعي ويجري تحت تهديد السلاح.
  • روسيا في الغالب لن توافق على إعطاء حق تقرير المصير للقوميات المختلفة على أرضها؛ ففي هذه الحالة ربما تفقد روسيا نصف مساحتها على الأقل، بينما لم تمنح الفرصة للأوكرانيين لحل مشاكلهم عبر تسويات سياسية بشكل كافٍ.

ما الذي حدث أساسًا؟

البدايات في هذه المرحلة عندما تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198 هـ -1783 م، في عهد كاترين الثانية إمبراطورة روسيا المتعصبة للمسيحية. وهكذا فقدت دولة تتار القرم حريتها، وبدأ الاضطهاد الديني لمسلمي القرم، وطرد الروس من شبه جزيرة القرم نصف مليون نسمة، وصدرت عدة قوانين تحرم الدعوة إلى الإسلام، وظل هذا الغبن مفروضاً على التتار المسلمين طيلة قرن وربع، ولما صدر قانون حرية التعبد أعلن التتار الدعوة الإسلامية، بعد أن كانوا يمارسونها سراً بين جيرانهم وزاد عدد الداخلين في الإسلام.

وكان عددهم عام 1883م تسعة ملايين نسمة انخفضوا في عام 1941 الى نحو 850 ألف نسمة وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواءً على عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفل ستالين بتجنيد حوالي 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة ألمانيا النازية.

تقول الأرقام: إن تتار القرم كانوا يشكلون عام 1770م نسبة 93% من سكان الجزيرة والبقية أرمن ويونان ولم يكن هنالك روس آنذاك، وسرعان ما تراجعت نسبة التتار إلى 25.9% في عام 1921م، فيما الروس والأوكران معًا شكلوا نسبة 51.5%، والبقية يهود وألمان، ومع حلول عام 1959م لم يُسجَّل أي وجود للمسلمين التتار في القرم أبدًا، في حين أصبحت نسبة الروس الذين يسكنون القرم 71%، والأوكران 22%، والبقية من اليهود وقوميات أخرى.

لكن الأمر بدأ بالتغير عندما سُمِحَ لهم بالعودة إلى أراضيهم تدريجيًّا، ثم تعقدت الأمور مرة أخرى، ويشكل التتار الآن نحو ثلاثمائة ألف نسمة، أي ما نسبته 13% من سكان القرم، وميز الهدوء لسنوات طويلة علاقة هؤلاء التتار بسكان الإقليم من ذوي الأصول الروسية الذين يُعدون الغالبية السكانية

مسلمو القرم يخشون “إبادة” جديدة

بعد حصول جزيرة القِرم على الحكم الذاتي من أوكرانيا قررت الانفصال عنها كما تقدم لتخضع للمحتل الروسي، غير أن ما يعرف بالدول الغربية رفضت هذه النتيجة إلا أنها لم تغير ساكنًا وفرضت روسيا هذا القرار بالقوة والجبروت.

وتقول صحيفة “التايمز البريطانية” إن المسلمين معتدلون في الغالب ورفضوا الاستماع للأصوات المتشددة. وتشير الصحيفة إلى أن بعض مناطق في البلدة القديمة بخشيساراي تبدو وكأنها جزء من الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا. وتضيف الصحيفة أنه على السطح فنزاع إثني يبدو بعيدًا الآن ولكن مع اقتراب القرم نحو روسيا بدأت المخاوف القديمة بالظهور. وقام أكثر من 10.000 مسلم بالاحتجاج رفضًا للانضمام إلى روسيا خوفًا من مذبحة جديدة قديمة، بيد أن الدب الروسي لا يأبه لأية دماء مقال الحصول على جزيرة القرم التي يعدها جزء من تراثه ومملكته القديمة، ويبقى السؤال: بعد أن عاد التتار المسلمون يصعدون رويدًا رويدًا هل يمكن أن تحدث مجزرة ستالين من جديد؟

نور أنور الدلو

صحفي في اذاعة صوت الأقصى غزة ، ومحقق في مجلة السعادة سابقا، وحاصل على الماجستير… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى