يوميات مسابقة…  أيّا كنت!

قد يختلف ظرفك العائلي وتختلف مسؤولياتك تبعا لهذا الظرف، ولايمكننا أن نخصص لكل مسلمة برنامجها الخاص الذي تسابق به للفوز بالأجر والرضا من الرحمن.

ولكنني أريد أن أبسط هنا خارطة المعالم التي تعينك أيتها المسابقة لرسم جدولك اليومي وفق خطوط واضحة تسمح لك أن تضمني خير عطاء وجني لثمار هذا العطاء!

البداية مع النيّة ثم العمل

ليكن هدفك الأول من كل برنامج يومي هو إخلاص نيّة المؤمنة الموحدة التي ترجو من كل ما تقدمه في هذه الدنيا رضا ربها والقرب منه، ذلك أن صلاتها ونسكها ومحياها ومماتها لله رب العالمين، من هنا تصل ذاتها بالله بشكل منتهي وتحسن الإخلاص.

ثم لك في يومك سبح طويل للعبادة والعمل، للتعلم والتعليم للإفادة والاستفادة، للأخذ والعطاء، فكوني العبقرية في أن لا يفوتك خير فيه ولا يسرق منك فرصة فيه! لا تسمحي للشيطان أن يختلس أثمن ما لديك من وقت فيهدره في شر .. في غيبة .. في أذى.. في لهو محرم.. أو في تفاهات لا تجني منها إلا ضياع الهمة والغرق في الغمّة ثم إياك وسقطات الذنب!.

أعلنيها مقاطعة مع كل ما يحرمك لذة القرب من الله والمسابقة بالخيرات ولا شك أن هناك ما هو أولى باهتمامك!

انشغلي بواجباتك قبل حقوقك

انظري في هذا الجدول، ميّزي ما كان لك وما هو عليك، قبل أن تسألي عن حقوقك فيه أدّي واجباتك ، فكل من ينتظر منك حقا أعطه وأحسني وأتقني وابتسمي فإن الأداء الأوفى هو الذي يكون برضا نفس وبحب للخير وباحتساب عظيم للأجر.

قبل أن تحاسبي الناس على تقصيرهم معك سارعي لسد أي نقص يصدر منك اتجاه من ينتظر منك المعاملة والأداء والواجب! حينها سيصبح لديك كلّ هذا إشباع لرغبة النفس في عمل الخير، وهذه بحد ذاتها نقطة إنجاز كبير في حياتك، ذلك أن عنوان مسيرتك أنتِ: المسابقة بالخيرات!

في هذا البرنامج انتهزي كل فرصة لذكر الله، كل خلوة لتوجيه الرجاء له، كل لحظة انفطار للقلب أو انكسار أو شعور إيمان مزلزل بأن تدعي الله بأخلص الدعاء، فلم أر مثل (إياك نعبد وإياك نستعين) حاديا لك في هذه الطريق!

سرّ التميّز

لديك مهام كثيرة كانت أو قليلة اجعلي شعارك في إنجازها “الإتقان” والهدف من أدائها “الوقوف على ثغرك لله” والأجر المنتظر منها “قبول من الله”.

من تنظيف بيت لزرع نبتة لترقيع ثوب لصناعة حلوى لكتابة رسالة لإرسالة هدية، لترتيب مكتب! كلّ حركاتك وسكناتك لابد أن تسعي فيها لتمام الإتقان، حتى تتميّزي.

وكلما جعلت هدفك أن يكون ما يصدر عنك طيبا مباركا، فاعلمي أن هذا الطيب وهذه البركة ستعم أجواء من يعيش حولك وسيدركون لا محالة بأنك درّة في حياتهم ونعمة من نعم الله، فتصعد لك الدعوات وأنت لا تدرين عنها شيئا ويزداد رصيد حسناتك وخيراتك، ثم إن هذا يعكس محبة من الله لك، ذلك أنك إن أحببت أن تعرفي مكانتك عند الله فانظري فيما استعملك، وإن أحب الله عبدا أحبته الملائكة وأحبه خيار الناس.

العلم والعمل معا

أنت في مرحلة عطاء وفي ذات الوقت تزود، فلا يمكن أن ينتقل مركبك للأفضل إلا إذا أحسنت التزود لهذا الرقي، والفكرة الحسنة قد تقفز بك من الثرى للثريا وتشعرين معها أنك تحلقين في سماء النجاح والسعادة.

فكوني طالبة العلم مهما بلغ عمرك من مبلغ وإن كنت الجدة والكهلة، واجعلي من ترقية معارفك ورفع مستوى درايتك وتنوير وعيك هدفا لا أقول شهريا بل يوميا، في كل حرف تقرأنيه وعلم تسمعينه أو نور تبصرينه.

ليكن لك خلال هذا اليوم بصمة! موطأ قدم في مسيرة هذه الأمة، ضعي ثقلك في زيادة سواد الصالحين لعل الله سبحانه وتعالى ينزل نصره عليهم فتفوزين فوزا عظيما، ولو كان تأثيرك مجرد المتابعة والقراءة والنشر والدعوة  لما يهمّ أمتك ويشخص حالها ويخرجها من مستنقع المتاجرات الذي عانت منه عقودا من الزمن، أو ينتشلها من قبر الاستضعاف الذي أحاط بها كأخدود من الألم حتى بات أثره في أجيال متوالية لكان هذا أضعف الإيمان.

كوني أول من يتابع أخبار انتصارات أمتك ورقيها وأول من يأسف على تعثرها أو مصابها، اقنتي في صلاتك لأجلها، اخشعي في دعائك لعودة مجدها،  لينبض قلبك مع نبض قلب أمتك، فإن كان كذلك فاعلمي أنك لست لوحدك، وأن قلوب الحاملين لهم أمتهم جميعا تنبض بنفس النبض ، فكيف سيكون إيقاع هذا الجمع! لا شك أنه يعكس روعة الإيمان والتوحيد وبه ستستقوي أمتك، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون!

كلما شد ذهنك الراقي، نجحت في الافلات من الداني!

كلما سمت معايير التفكير والاهتمام لديك كلما ارتقيت ارتقاء أعيا من تلاك!

كلما كنت تبصرين هذه الدنيا من فوق قمة الإيمان واليقين الشامخ كلما كان صعبا جدا منافستك، ذلك أنك قد سموت فوق عاليا وأبصرت السماء ثانيا أين تنتظرك مساكننا الأولى ، ونساء مسلمات سبقن بحسن عمل وإخلاص وتقوى.

عبادة الصبر

فإن ابتليت في حياتك وحرمت بعضا من آمالك، وقست عليك الظروف وتعثرت مع الهموم، فاعلمي أن الابتلاء سنة في درب الصالحين وأنه فرصة لك للارتقاء لأعلى مراتب الدين والجنة! فاستغلي مرحلة الابتلاء والحرمان هذه بحسن الصبر وحسن الاحتساب، فإن أقواما سبقونا كانوا  إذا لم يبتلوا بكوا، وخشوا على أنفسهم أن يكونوا ممن فتح الله عليهم أبواب كل شيء ثم أخذهم على حين غفلة!

لا تنسي المحاسبة للارتقاء

انظري بنفسك في ما قدمته خلال اليوم، هل قصرت في عباداتك ونزلت عن الحد الأدنى من أدائك فيها، هل آتيت من حولك حقوقهم من البر والحب، من الذين يقاسمونك سقف البيت أو الحياة، بما فيهم الصغير والكبير. هل تعلمت الجديد؟ هل أتقنت أعمالك؟  كيف رضاك عن نفسك؟ كيف تشعرين همتك؟ محاسبتك هذه كفيلة بأن توقد حنين التوق للبذل! وتحفز روح المثابرة للنجاح وتفتح باب العطاء على مصراعيه! فلا تستهيني من وقفات المحاسبة والمعالجة.

قد تكونين عمة أو خالة أو جدة أو كنّة أو أيا كنت في موقعك الأسري، كوني لها، كوني بذاتك المعطاءة وروحك المباركة، التي متى حلّت كانت كالوردة ترتوي الأرض من نداها! زكية هي بإيمانها ويقينها، عطرة هي بأخلاقها ودماثتها، شيّقة هي بمعرفتها وإدراكها، مريحة هي ببشاشتها وطيبتها، أمينة هي بنصائحها ومحبتها، إنك أيتها الحديقة الغناء مرتع المتعب وحضن الباحث عن السكن ومهوى التائه المثقل، فكيف تراك ستكونين إن لم تعدي نفسك ذاك الإعداد الأوفى!.

يا مهبط الطهر لا جمالَ للحياة إلا بك،  ولا راحة في الدنيا إلا برفقتك!  يا شقيقة الرجال وأم الأبطال ومدرسة المجد وصانعة التاريخ وبحر العطاء والعز،  يا حديقة النبل والكرم ومعدن الفضل والشيم، لا حرمت الأمة عطاءك وفداك!

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى