الحجامة بين الماضي والحاضر

هل الحجامة من الطب البديل الذي مضى أمره؟ لماذا كانوا قديمًا يلجؤون إليها؟ هل هي من السنة النبوية؟ ما هي فوائدها وكيف تتم العملية وما هي أدواتها؟ هذا كله ما سوف نكتشفه من خلال مقالنا من أجل توضيح كل هذه الحقائق حول الحجامة بعد أن انتشرت في الآونة الأخيرة كعلاج للعديد من الأمراض ذات فاعلية وأعراض جانبية لا تذكر مقارنة بطرق العلاج الحديثة والآثار الجانبية العديدة من استخدام المستحضرات الكيميائية المصنع منها الأدوية.

سوف نتعمق في مقالنا لنكتشف الحجامة من خلال الطب النبوي الشريف ودلائل على أهميتها في الطب الحديث، وهل نحن المسلمون مقصرون في تطبيق هذه السنة ونشرها.

ما هي الحجامة

الحجامة

اصطلاحًا هي المعالجة بالكاسات ومص الدم. إن مفهومها قائم على أن الدم الفاسد هو أساس المرض وأن نزحه عن الجسم من خلال عمل الحجامة يحقق الشفاء ويجلب الصحة والحيوية من هذا المفهوم يتخلص الجسم مما يزعجه من مخلفات ضارة وبالتالي يزيد تدفق الدم النقي إلى أعضاء الجسم فيغذّيها وينعشها ويستعيد الجسم توازنه الطبيعي من جديد.

نبذة تاريخية

ترجع فكرتها وهي نزح كمية من دم الجسم لما قبل الميلاد. هي صينية الأصل، كانت تستخدم فيها قرون الحيوانات لصنع كاسات لمص الدم بعد تجريح المكان المقصود علاجه وباستخدام هذه الطريقة أيضًا كانت طريقة لصرف الدمامل.

انتشرت في العديد من المجتمعات القديمة، في شرق آسيا والهند والصين ويذكر أن القدماء المصريين مارسوا أيضًا الحجامة. انتشر استخدام الحجامة عند العرب وكان الآشوريون أكثر الشعوب العربية استخدامًا لها. عندما ظهر الإسلام في العرب أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجامة وصارت سنة نبوية. خلال القرن العشرين تطورت أدواتها وأصبحت الكؤوس الزجاجية بديل عن قرون الحيوانات.

فوائدها وأهدافها

الحجامة

تعد فوائدها ومنافعها أكثر من آثارها الجانبية مقارنة بالأدوية الكيماوية الحديثة. فهي تعمل على تسليك الشرايين والأوردة الدموية بالتالي تنشط الدورة الدموية وامتصاص السموم وآثار الأدوية من الجسم وتقوية المناعة العامة للجسم. من أبحاث الدكتورة/ ماجدة عامر: أن الحجامة تعمل على زيادة نسبة الكورتيزون الطبيعي في الجسم ويقلل من نسبة الكوليسترول. الحجامة لها تاريخ أكثر من 5000 سنة ولم يظهر لها آثار جانبية بفضل الله.

الحجامة لها مكانة عالية في الإسلام وهي سنة نبوية مؤكدة ومن يحيي هذه  السنة النبوية له أجر عظيم. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى: “وأما منافع الحجامة: فإنها تنقي سطح البدن أكثر من الفصد، والفصد لأعماق البدن أفضل، والحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد. قال: والتحقيق في أمرها وأمر الفصد أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان (الأعمار) والأمزجة فالبلاد الحارة، والأزمنة الحارة، والأمزجة الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير، فإن الدم ينضج ويرق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل، فتخرج الحجامة ما لا يخرجه الفصد”.

وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع من الفصد. [والفصد هو إخراج الدم من وريد الإنسان بواسطة إبرة فيكون من أعماق الجسم] بخلاف الحجامة التي تكون بتشريط سطح الجلد.

أنواع الحجامة

تُعَد الحجامة نوعًا من أنواع الطب البديل، من خلاله يتم وضع كؤوس زجاجية خاصة على المنطقة المراد علاجها، ثم يبدأ المعالج بتفريغ الهواء الموجود بالكأس عن طريق التسخين أو بواسطة جهاز سحب، مما ينتج عنه شفط للجلد الموجود تحت الكأس، وتكسُّر الشعيرات الدموية الموجودة به مخلفة كدمات حمراء، ويُعرف هذا النوع بالحجامة الجافة.

وهناك نوع آخر من الحجامة وهو الحجامة الرطبة، والتي تتضمن إحداث جروح في موقع الحجامة وإخراج الدم من خلالها. تحديد النوع يحدده المختص حسب المرض وأيضًا يحدد موضع وضع الكؤوس. وتمنع الحجامة للأشخاص التالية:

  • مرضى السرطان.
  • الأشخاص الذين يعانون من أمراض الكلى والكبد.
  • مرضى القلب والذين يضعون أجهزة تنظيم القلب.
  • الأشخاص الذين يعانون من سيولة الدم.
  • النساء في فترة الحمل والنفاس.
  • الأطفال دون سن الرابعة، كما يجب استشارة الطبيب قبل إجراء الحجامة لمن هم أكبر سنًا. إذ تتميز جلسات الحجامة للأطفال بقصر مدتها.

لذلك لابد من عمل الحجامة تحت إشراف مختص فيها وممارس لها لتؤدي دورها في العلاج والشفاء بإذن الله.

الحجامة من الكتاب والطب النبوي

الحجامة

الشافي هو الله وقد أمرنا الله -عز وجل- في العديد من المواضع في القرآن أن نتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل ما جاء وأمرنا به فقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على التداوي بالحجامة في أكثر من حديث نبوي.

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إِن كَانَ في شَيءٍ، مِن أَدوِيتكُم – أَو يَكُونُ في شَيءٍ، مِن أَدوِيَتكُم خَيرٌ فَفِي شَرطَةِ مِحجَمٍ، أَو شَربَةِ عَسَلٍ، أَو لَذعَةٍ، بِنَارٍ، تُوَافِقُ الدَّاءَ، وَمَا أُحِبٌّ أَن أَكتَوِيَ.” متفق عليه واللفظ للبخاري.

فتأملوا حرص حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ورحمته بنا عندما نصحنا بالحجامة والعسل وجعلهم من أسباب الشفاء، فكيف تغفل أمتنا عن أمر نبيها وخير دواء لأبدانها. تداوى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحجامة كثيرًا وفي أماكن متعددة على أعضاء جسده الشريف. مما جعل التداوي بالحجامة سنة نبوية يقتدي بها المسلمون.

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال:

من احتجم لسبع عشرة من الشهر وتسع عشرة، وإحدى وعشرين كان له شفاء من كل داء. (أخرجه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5968)

من هذا الحديث ثبت أن أفضل أوقات الحجامة في الأيام التي أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه الأيام هي 17،19،21 من الشهر العربي حيث ثبت أن أفضل نتائج تحققها الحجامة في هذه الأيام ويفضل في الصباح دون المساء وموسم الصيف أفضل من الشتاء.

قال ابن القيم -رحمه الله -: “وهذه الأحاديث موافقة لما أجمع عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني وما يليه من الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوله وآخره، وإذا استعملت عند الحاجة إليها نفعت أي وقت كان من الشهر من أوله أو آخره. ثم نقل عن حنبل قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل يحتجم أي وقت هاج به الدم. وأي ساعة كانت. قال: وقال صاحب «القانون» أوقاتها في النهار: الساعة الثانية أو الثالثة (أي في الصباح لأن وقت الظهر في الساعة السادسة منه). قال: ويجب توقيتها بعد الحمام إلا فيمن دمه غليظ، فيجب أن يستحم، ثم يستجم ساعة، ثم يحتجم.” اهـ.

ثم نقل ابن القيم عن صاحب كتاب القانون (في الطب) قوله: “ويؤمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت، بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها لتزيد النور في جرم القمر. ثم قال: وتكره عندهم الحجامة على الشبع، فإنها ربما أورثت سددًا أمراضًا رديئة، لاسيما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا”، وفي أثر: “الحجامة على الريق دواء، وعلى الشبع داء، وفي السابع عشر شفاء”. واختيار هذه الأوقات للحجامة، فيما إذا كانت على سبيل الاحتياط للصحة وحفظًا لها، والتحرز من الأذى، وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها”.

الحجامة في الطب الحديث

يقول الدكتور أمير صالح رئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية والحاصل على البورد الأمريكي في العلاج الطبيعي، وهو من أبرز الأطباء المسلمين الذين اهتموا بالطب البديل ولا سيما ما ورد في الطب النبوي، (وذلك في الحوار الذي أجرته معه في المدينة المنورة: أحلام علي) يقول: “عندما كنت أدرس في أصول الفقه قرأت كلمة «حجامة» فأثارت رغبتي في معرفة هذا النوع من العلاج، ولكن هذا لم يخرج إلى حيز التنفيذ إلا عندما سافرت إلى أمريكا، ووجدتهم يدرسونها في جامعاتهم ضمن مناهج الطب البديل، فشعرت بغيرة على ديننا، وأحسست بأننا نحن المسلمين مقصرون جدًا في إحياء هذه السنة”.

ثم ذكر أنه أعد بحثًا عن الحجامة ضمن البحوث التي طلبت منه عندما بدأ في دراسة الدكتوراه ما بين جامعة شيكاغو وجامعة القاهرة، وفي بحثه دوّن بابًا عن الحجامة عند الإغريق والفراعنة والصينيين، وفي الإسلام، ولما كتب الأحاديث التي في الصحيحين وغيرهما اندهش أساتذته الأمريكان من الثراء الطبي الخاص بالحجامة في الطب النبوي، ثم يعقب على ذلك بقوله:

فمن يصدق أن العلاج بالحجامة يتم تدريسه في أمريكا كفرع مهم في مناهج الطب عندهم يسمونه cupping therapy، ومن المؤسف بل المحزن أن نرى أطباء عربًا ومسلمين ينكرون هذا النوع من العلاج، في الوقت الذي أصبح علاجًا نافعًا للعديد من الأمراض الخطيرة في معظم عواصم العالم.

الحجامة في ريو 2016

الألعاب الأولمبية التي قامت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، عندما بدأت لفت انتباه المشاهدين علامات حمراء دائرية على أجساد بعض اللاعبين، أبرزها كانت للسباح الأمريكي الشهير مايكل فيليبس، أثارت تلك العلامات فضول المشاهدين، بالبحث تجد أن متسابقي ريو استخدموا الحجامة علاجًا لآلام العضلات التي تنتابهم بسبب التدريب القاسي لساعات طويلة يوميًّا.

وبعد، فما يزال بعض الأطباء المسلمين يتنكرون لما جاء في الطب النبوي، ويصفونه بالخرافة، وأن من يلجأ إلى التداوي به خرافي، إن شرع الله -تعالى- لم يهمل شيئًا لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة، بل قال ربنا -سبحانه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، وقال عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-:

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

بل يتبجح بعضهم ويقول: إن الوصفات الطبية التي وصفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصفها على أنها وحي، وإنما وصفها على أنه حكيم من حكماء زمانه عرف التجربة فيها فوصفها، (مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا).

فكل ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- حق وصدق ووحي، وأما غيره فمهما بلغ من التخصص فإنما علمه تجارب وظنون، ونحن نصدق الأطباء فيما يقولون، أما تصديقنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أَولى، وقبول ما جاء به من عند ربه أحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى