«نيويورك تايمز»: تشيلي في خطر.. هل يعيد ماضيها القمعي نفسه؟

هذا المقال هو ترجمة بتصرف لمقال: “Chile Is in Danger of Repeating Its Past ” لكاتبه: دانيال بورزوتسكي. الآراء الواردة أدناه تعبر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبر بالضرورة عن تبيان. 

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا للشاعر والمترجم دانيال بورزوتكي تحدث فيه عما يجري في تشيلي من قمع عنيف للمتظاهرين يعيد إلى الأذهان ذكريات الحكم الديكتاتوري الذي عانت منه البلاد في السابق. 

خلال الأسبوعين الماضيين، شهدت البلاد أعمال عنف هي الأسوأ منذ عودة الديموقراطية عام 1990، ما أجبر الرئيس التشيلي سبيستيان بينيرا على التراجع عن مقترح زيادة أسعار النقل العام، وإقالة ثمانية وزراء من مناصبهم. لكن بالنسبة لمواطني تشيلي داخل البلاد وفي الشتات، فإن استجابة الحكومة العنيفة ضد المتظاهرين تستدعي ذكريات الماضي المظلم، على حد قول بورزوتكي.

«نحن في حرب ضد عدو قوي».. ثم انفلتت شياطين القمع من عقالها!

صرّح الرئيس بينيرا قائلا: «نحن في حرب ضد عدو قوي»، وأتبع تصريحه بإعلان حالة الطوارئ في معظم أرجاء البلاد، وفرض حظر التجول، ونشر الدبابات والقوات في الشوارع. 

وأظهرت اللقطات المصورة التي انتشرت عبر الإنترنت القوة الوحشية التي استخدمتها الشرطة والجيش ضد المتظاهرين. وأظهر فيديو حديث شاهده الكاتب على فيسبوك، مجموعة من المتظاهرين يمشون بسلام في صف منتظم على رصيف الشارع، ثم تأتي مجموعة راجلة من الجنود، وضباط يركبون دراجات نارية، ليحيطوا بالمتظاهرين وينهالون عليهم ضربًا بالهراوات.

إقرأ أيضا: بين جرائم “بينوشيه” في تشيلي و”السيسي” بمصر

ويحقق المعهد الوطني لحقوق الإنسان في تشيلي في تقارير تشير إلى أن تعرض المتظاهرين للتعذيب في محطة مترو باكويدانو في العاصمة سانتياجو. في خضم الفوضى، اعتُقل الآلاف وقُتل على الأقل 19 شخصًا وجُرح المئات- لكن ليس جميعهم على يد قوّات الأمن- وسجل عشرين شخصًا في عداد المفقودين. 

يقول دانيال: «يجب أن نسمي هذا الأمر باسمه: انتهاك فاضح لحقوق الإنسان»

ووقع أكثر من 200 أستاذ في القانون على خطاب مفتوح يدين العنف ضد المتظاهرين. وفي 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت ميشال باشليه- التي انتخبت رئيسة لـ تشيلي مرتين (2006-2010 و2014-2018)، وتشغل حاليًا منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة- أنها سترسل فريقًا للتحقيق فيما يجري. 

يعلق بورزوتكي قائلا: لقد مضت 30 سنة منذ تحولت تشيلي إلى الحكم الديموقراطي، إلا أن هذه الأحداث تبدو وكأنها تحدث خلال الحكم الوحشي لأوجستو بينوشيه الذي قتل وعذب الآلاف خلال الفترة ما بين 1973 و1989. 

أشباح عهد بينوشيه لا تزال تحلق في سماء تشيلي حتى الآن

في الجمعة الأخيرة من الشهر الماضي، تظاهر أكثر من مليون مواطن تشيلي سلميًا في سنتياجو ومدن أخرى. صحيح أن بعض الاحتجاجات انزلقت إلى أعمال نهب وإحراق ممتلكات وعنف. وسيكون لحرق محطة المترو والحافلات والمتاجر وغيرها على يد المخربين عواقب طويلة الأمد على المدنيين الأبرياء. إلا أن هذا لا يعكس تصرفات أغلبية المتظاهرين، بحسب بورزوتكي. 

يتابع المقال: لطالما اتُخذت التشيلي كمثال نموذجي يحتذى لبلدٍ ألقت عن كاهلها الماضي القمعي وأصبحت مستقرة سياسيًا ومزدهرة اقتصاديًا. وهذا ما كانت عليه إلى حد ما. لكن دستور البلاد الذي كُتب عام 1980 أثناء حكم بينوشيه خلق الأساس القانوني لنموذج اقتصادي يحركه السوق، والذي خصخص المعاشات التقاعدية وقطاعي الصحة والتعليم. كما دمرت الديكتاتورية التشيلية حقوق التفاوض الجماعي، وخرّبت نظام التعليم العام، وسلّمت برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمرافق والخدمات العامة لمؤسسات القطاع الخاص. 

ويلفت الكاتب إلى أن أثر هذه السياسات لازال يتردد صداه (حتى الآن)، فتكاليف المعيشة في تشيلي هي واحدة من أكثر تكاليف المعيشة ارتفاعًا في أمريكا الجنوبية. وتعتبر هذه البلد اليوم واحدة من أكثر دول منظمة التعاون الاقتصادي ومجموعة تنمية الدول افتقارًا للمساواة. 

كانت الزيادة في أجرة النقل العام المقترحة بـ1,2 دولار- أي زيادة بحوالي 4%- ستصبح عبئًا ثقيلًا على العائلات ذات الدخل المنخفض التي تنفق 13% من ميزانيتها تقريبًا على المواصلات، وعلى المتقاعدين الذين يعيشون على راتب تقاعدي ثابت هو أقل من الحد الأدنى للأجور.

وأردف بورزوتكي: تفاقمت حدة هذه المواجهة عندما قال وزير الاقتصاد خوان أندريس فونتين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) بأن على المواطنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الأجرة الجديدة أن يغادروا منازلهم للعمل قبل الساعة السابعة صباحًا كي لا يدفعوا الأجرة بمعدل ساعات الذروة. 

ويضيف المقال: يتظاهر التشيليون لأنهم يواجهون ضائقة مالية، وليس لديهم ما يخسرونه. 

لا تغيير حقيقي طالما لا يزال القمع جاثمًا فوق الصدور

في الأسبوع الماضي، قال الرئيس بينيرا إن حكومته استمعت للرسائل الواضحة والقوية التي أرسلها التشيليون. تلا ذلك رفع حظر التجول، وأعلن الرئيس بينيرا عن خطة لإصلاح نظام المعاشات، وإن كانت أي تغييرات يجب أن يُصادق عليها مجلس النواب. وطالب الرئيس بزيادة الحد الأدنى للأجور الشهرية. 

لكن بالنسبة للمتظاهرين، بدت هذه الإجراءات رمزية للغاية، وتعجز عن إدخال تغييرات كبيرة على النموذج الاقتصادي الذي يحركه السوق في تشيلي، كما يرى بورزوتكي.

وينادي الكثيرون بتشكيل جمعية عامة لتغيير دستور 1980 الذي تتطلب أحكامه وجود أغلبية ساحقة لتمرير التشريعات الرئيسية، مما يجعل إجراء تغييرات كبرى على السياسة العامة شبه مستحيل. 

يختم الكاتب مقاله قائلا: المتقاعدون الفقراء، والعمّال الذين يحصلون على رواتب قليلة، ومعلمو المدارس وطلاب الجامعات، ليسوا أعداء الدولة. وإصلاح التعليم والضمان الاجتماعي وزيادة الرواتب وإعانات الإسكان وتخفيض أجرة الخدمات العامة؛ كلها مطالب معقولة ينبغي أن يكون الاقتصاد المتقدم كالموجود في تشيلي قادرا على تلبيتها. ولكن لن تتحقق أي تغييرات هامة طالما لا يزال القمع جاثمًا في الشوارع. 

تبيان

تبيان، مجلة رقمية تتناول ما يُهم أمّتنا ومشاكلها وقضاياها الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى