عثمان بن أرطغرل: بزوغ إمبراطورية العثمانيون

عندما تشتدُ المحنةُ عَلَى المسلمينَ إِلَى أَقَاصي الْدَرَجاتِ، عِندَمَا يشتدُ الظلامُ، عندما تصلُ المصاعبُ والضغوطاتُ لدرجة لا تطاق، يُخرج الله من رحمِ المحنةِ منحةَ، ففي زمانٍ كان المسلمون فيه بأشدِ الأوقاتِ والمحنِ اَلَتِي مرت عليهم عَلَى مرِ التاريخِ وإلى يومنا هذا، حيث وقت التتار الذين اجتاحوا الأخضر واليابس بقيادة جنكيز خان زعيم تلك القبائل البشعة التي ما عَرِفت رحمةً إلا بعد أن دخل الإسلام في قلوب بعضاً منها، فخلال خمس سنوات دمروا الديار الإسلامية فخربوا بلاد وقتلوا عباد لا يحصى لهم عدد، فعَلَى سبيل  المثال لا الحصر دخلوا مدينة مرو المسلمة وكان تعداد سكانها 700 ألف نسمة، فقاموا بقتل كل سكان المدينة حتى فنيت عن آخرها، فكانوا بهذه البشاعة، ثم جاء حفيده هولاكو وأتم مهمته فاستولى عَلَى بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية، فنهبها وأحرقها وقتل معظم سكانها الذين بلغوا في ذلك الزمان قرابة الثمانمائة ألف نسمة بما فيهم الخليفة وحاشيته عام 656هـ، 1285م.

ففي خضم تلك الأحداث البائسة، وفى زحام تلك المحنة الحالكة يُخرجُ اللهُ تعالى المنحةَ، ففي العامِ الذى انهارت فيه دولةُ الخلافةِ الإسلاميةِ ودخول هولاكو بغداد، وتعاظم الفتنة عَلَى القلوب والعقول حتى زُلزلوا زلزالاً شديداً، بل ظن البعض أنها نهاية الدنيا وأن هؤلاء هو يأجوج ومأجوج الذين يأكلون الاخضر واليابس، وجلس الآخر في انتظار خروج الشمس من المغرب وقيام القيامة.

وخلال كل هذا ولد طفل كان البذرة الأولى والنواة للدولة التي استطاعت في أقل من قرنين من الزمان أن تمد جناحيها شرقاً وغرباً وجنوباً وتدقُ أبوابَ فيينا باسطةَ لواء الإسلام عَلَى معظمِ ما يُعرفُ اليوم بدولِ أوروبا الشرقية واليونان وجزر الأبيض المتوسط وأجزاء من إيطاليا والنمسا كما استطاعت أن تُخضع لسيطرتها الأرض الممتدة من شمال القفقاس شمالاً حتى الصحراء الإفريقية جنوباً وحدود المغرب الأقصى غرباً كما أنها مدت جناحَهَا الشرقي حَتَى بلادِ فارس وجبالِ كردستان شاغلة مساحة من الأرضِ قدرت بأكثرِ من 10 ملايين ميل مربع فكانت أقوى دول في العالم آنذاك، وكل ذلك كان بميلاد عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية المجيدة التي لها فضل كبير عَلَى المسلمين في ربوع العالم والى يومنا هذا.

أنظر أيظاً: شخصيات حق علينا معرفتها أرطغول كما لم تعرفه من قبل.

توليه الحكم

بعد أن توفى أرطغرل تولى مكانة أكبر أولاده وهو عثمان بناء عَلَى رغبة السلطان علاء الدين والذي توفى في عهد أرطغرل إثر فراره الى القسطنطينية بعد غارة قام بها المغول عَلَى السلاجقة الروم.

بدأ يوسع إمارته فتمكن أن يضم إليه عام 688 هـ قلعة قره حصار (القلعة السوداء) أو أفيون حصار، فسر الملك علاء الدين بهذا كثيراً، فمنحه لقب بيك، والأراضي التي يضمها إليه كافة، وسمح له بضرب العملة، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة.

كل ذلك جعل لعثمان مكانة كبيرة في نفوس بقية الأتراك والقبائل المجاورة والتركمان، الأمر الذي سيفيد عثمان بعد ذلك وسيجعل دخول هؤلاء تحت لوائه أمر يسير، بالإضافة إلى ما عرف عن عثمان أنه ذو قلب طيب، شب على البسالة والإقدام، والكرم، والحكمة والحلم وحسن القيادة.

عثمان يعلن استقلاله

بعد أن أغار المغول سنة 1300م على دولة الروم السلاجقة في آسيا الصغرى، وحدث ما كان متوقعا إذ زالت دولة الأتراك السلاجقة وتوفي علاء الدين كيقباذ الثالث سنة 1307م، فقام الأمراء -وعددهم ثلاثة عشر أميرا-بإعلان استقلالهم ومن بينهم عثمان الذي كان يحظى بالشهرة الكبرى والذي أسس دولة كبرى بعد ذلك وسميت باسمه -رحمه الله-.

فتوحاته

بعد أن استتب لعثمان الأمر على المستوى الداخلي ومن ناحية الشمال، حيث وصل إلى البحر الأسود وبحر مرمرة وهزم جُيوش الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة واطمأنَّ إلى عدم قُدرتها على مُقارعته قريبًا.

فحوَّل أنظاره نحو حُدود إمارته الجنوبيَّة فهاجم البلدات والقُرى والحُصون الروميَّة المُحيطة بِمدينة «يكي شهر»، تمهيدًا لِفتح هذه المدينة.

وقام عثمان بفتح المدن المحيطة بها والاستئثار ببعض هذه المقاطعات حتى فتح مدينة “يكي شهر”، واتخذها عاصمةً له، كما أتخذ الرايةَ التي ماتزال إلى يومنا هذا العلم التركي المؤلف من الهلال والنجمة، ودعا نفسه بادشاه ال عثمان، وبذلك فقد أسس عثمانُ دولةً أو بمعنى أدق وضعَ الأسس لتلك الدولة التي انشغل برعايتها وتأسيسها عَلَى طاعة الله وجعل لها علم وعاصمة وجيش وفكر ووعى وتقوى وورع وزهد.

عمل على توسيع ملكه أزميد ثم أزنيك، ولكنه لم يتمكن من فتحها فعاد إلى عاصمته وأخذ في تحصينها وتأمينها وزيادة جيشها حتى إذا أطمأن وتجهز للقتال؛ أرسل إلى أمراء ببلاد آسيا يخيرهم بين أمور ثلاثة

  • دخول الإسلام
  • الجزية
  • الحرب

فأسلم البعض، وانضم البعض إليه، وقبل البعض دفع الجزية واستعان الباقون على السلطان عثمان الذي هيأ لمحاربتهم جيشاً جراراً تحت إمرة ابنه أورخان فسار ليهم مع عدد ليس بالقليل من أمراء الروم ومن ضمنهم كوسه ميخائيل صديق عثمان الذي أسلم، وبعد أحداث كثيرة استطاع الجيش بقيادة أورخان أن يفتح بورصة وما حولها من قلاع وحصون.

أي نستطيع القول باختصار قد كانت حياة الأمير عثمان مؤسس الدولة العثمانية، جهاداً بالحرب وسعياً بالتخطيط الإداري والتنفيذ في الإمارة فكان موكلاً إلى علماء الدين وكانوا يحيطون بالأمير ويتولون مسؤولياتهم.

وفاة ووصيته

وتوفي عثمان عندما كان ابنه أورخان يحاصر مدينة بورصه، ولكنه وهو عَلَى فراش الموت قد أوصى بوصية لتكون سراجاً لابنه في الحكم وكذلك لمن بعده، وقد سجلها المؤرخ العثماني عاشق جلبي والتزم بها أورخان -رحمه الله- وكل من جاء من بعده من سلاطين العثمانيين خصوصاً الأوائل منهم وهي:

“يا بني إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلًا.

يا بني أحِط من أطاعك بالإعزاز، وأنعم عَلَى الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.

يا بني: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله.

يا بني لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل”.

ونريد أن نقف وقفةً صغيرةً مع هذه الوصية الرائعة التي تعتبر نبراساً للحكم ودستوراً للدولة إن سارت عليه نجحت وارتقت وعلت وتفوقت مثلما فعل أبناءُ وأحفادُ عثمان.

فبداية إن هذا الكلام لا يخرجُ إلا من رجلٍ ذو عقل مستنير بنور الله تعالى وتقواه وإيمانه، فهو رجل تربى عَلَى أيدي العلماء وعاش معهم ومع كتاب الله، فالوصية ما هي إلا تعاليم وأحكام وضوابط مستقاة من شرع الله تعالى ومن حياة الرسول والصحابة والتابعين، يستنبطها الحاكم الصالح أمثال عثمان ابن ارطغرل، وعَلَى هذا سنأخذ هذه الوصية جزءً جزءً بالتوضيح والبيان لعلها تعود بالفائدة لمن يريد أن يحكم دولة بشرع الله أو من يريد الارتقاء والتقدم في سلم الأمم.

يا بني إياك أن تشتغل بشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فأتخذ من مشورة علماء الدين موئلًا: إن طاعة الله هي الملاذ الآمن والصرح الذي لا ينهار والبناء والحصن الحصين الذي به نحيا وعليه نموت، فلذلك كانت بداية الوصية الرائعة هي إلا ينشغل الحاكم بشيء لم يأمر به الله تعالى، وبالنقيض أن يُشغل الحاكم نفسه بمرضاة الله رب العالمين، فعَلَى هذا سيلاقي رب العزة، وليكون سبباً وسبيلاً للنجاة يوم القيامة، لعله يدخل في إطار السبعة الذين يستظلون بظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ليكون الإمام العادل.

وقفة

وفى ذلك إشارة إلى المناهج التي تنتهج في نظام الحكم، فلابد أن تكون على دين الله وألا تبعد عن جادة طريقه سبحانه. فاليوم نجد النظم العلمانية والليبرالية وغيرها من نظم الحكم التي لا تمت للإسلام بصلة عَلَى رغم من قوله تعالى “إن الحكم الا لله “؛ فبحكم الله وشرع الله تنجو الأمة وتتقدم وبغير ذلك تكون الأمة الإسلامية كمثل ما هي عليه الآن من التشرذم والتحزب، والاختلاف فذهبت ريحُنا، وضعُفت قوتُنا وانقضُ علينا الأعداءُ من كل حدب وصوب، وانتشر المنافقون، والأفاكون والكاذبون والإعلاميون -حيث يسهل تجميع هؤلاء أن يكونوا ضد الدين بل ويقولونها صراحة ” لابد من ضرب فكرة الإسلام التي تطبق في المجتمع”.

فالأمة الإسلامية من أساسياتها أن لها رسالة فإنها لا تتحرك بالحماسة وفقط -عَلَى رغم من أهمية الحماسة-، لكن يجب أن يكون التحرك بعلم وفهم ووعى ودين، ثم الحماسة ولذلك إن انشغلت الدولة عما يخالف هذا الشرع وهذا المنهج شغلت بنفسها واقتتلت وانهارت والعكس بالعكس صحيح.

الشورى من أساسيات نجاح الحكم

ويكمل عثمان بأمر في غاية الخطورة وهو أمر الشورى فيقول لابنه أورخان وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلًاً، فالشورى هي الركيزة الأساسية للحكم استناداً الى قولة تعالى” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “، فليس عبثاً أن يسمى اللهُ تعالى في كتابه العزيز سورةً كاملةً باسم الشورى، ألا يعطى هذا لبنى الاسلام اشارة لأهمية هذا الامر وجلاله ؟، ألا يشير إلى أن نتوقف عن استيراد أنظمة فاسدة؟.

فللأسف الشديد نستبدل اليوم أنظمتنا الإسلامية بأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان كالديمقراطية، التي مفادها ومختصرها ما يتفق عليه الأغلبية مهما كان، مما يعني البلاء والطامة الكبرى عَلَى الأمة كاملة، ولعل هذا يستدعينا أن نتطرق إلى أمر التفرقة بين الشورى والديمقراطية حتى تتضح الصورة جلية.

وبداية لا يجب أن نأخذ الأمر ونحن بصدد الحديث عن الديمقراطية أن العلاقة بينهما علاقة تضاد، فلكل نظام استقلاله التام بأسسه ومبادئه وآلياته، فالشورى صورة من صور المشاركة في الحكم في الإسلام، أما الديمقراطية فهي نظام الأغلبية للتفويض في الحكم، ويوجد بينهما اتفاق واختلاف يستدعى أن نحاول إيجازه في نقاط صغيره للإيضاح، ولأن المقام لا يتسع لهذا كله، فسنذكر أوجه الخلاف بين الشورى والديمقراطية:

أولاً: من حيث المصدر

الشورى مصدرها شرع الله عز وجل المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك، فهي منهج من لدن حكيم خبير، بينما الديمقراطية من ابتداع البشر أي أنها وضعية المصدر.

ثانياً: طبيعة الحكم تكون لمن

وهذا يعد أبرز الخلافات الجوهرية بين الشورى والديمقراطية والتي تعتبر وفقاً لمفهومها أن الحكم يكون للشعب وليس لأي أحد آخر ولو كان لرب العزة سبحانه.

أما في الشورى، فالحكم لله ولا يكون إلا لله، أما القول بأن أخذ الشورى يكون وفقا لإرادة أهلها، أي وفقاً للهوى، فهذا قول مردود ذلك لأن أهل الشورى إنما يسيرون في إطار أحكام الله تعالى ولا يخرجون عنها بأي حال من الأحوال، بل حتى إن حاولوا الخروج عنها فيمكن ردهم الي كتاب الله وسنة نبيه، لأن هذان هما النبراس الذي نسير عليه والفيصل بين المختلفين، عكس الديمقراطية التي مردها هو قول الأغلبية وفقط.

ثالثاً: مبنى الشورى والديمقراطية

فالشورى مبناها الرأي لا العدد، أي الاعتماد عَلَى أهل الخبرة والرأي في كل مجال من المجالات ولا يفرق العدد في ذلك خارج إطار أهل الشورى والرأي والتخصص والعلم، أياً كان رأى عدد العوام المخالف لرأي أهل العلم والتخصص من أهل الشورى، فالأولى رأي أهل التخصص والعلم-في إطار الشرع-؛ وفى ذلك اختلاف بينها وبين الديمقراطية التي مبناها العدد لا الرأي، فوفقا لها محور الأمر وخلاصته هو ما يتفق عليه الأغلبية مهما كان رأي أهل التخصص وعلماء الدين.

رابعاً: سيادة الشرع أم سيادة الشعب

فالديمقراطية تمارس في ظل مبدأ سيادة الأمة والشعب لا سيادة الشرع، وذلك عكس الشورة التي مبناها الأساس سيادة الشرع مهما اتفقت الدنيا كلها على مخالفته.

خامساً: حدود الشورى والديمقراطية

إن الشورى والشرع مرتبطان ارتباطاً وثيقاً لا يقبل التجزئة لذلك فهي تحدد بإطاره ولا تخرج عنه بأي حال من الأحوال، وذلك عكس الديمقراطية، التي لا يحدها حد ولا يوقفها شيء، فإن أرادت الجماعة أن تحل الزنا أحلته وإن أرادت شرب الخمر شربته وكذا في الأمور، عكس الشورى التي لا تخرج عن إطار شرع الله.

سادساً: حكم ترك العمل بهما

إن العمل بالشوري إنما هو أمر مرتبط بالعقيدة لارتباط الأحكام الشرعية بالعقيدة، حيث لا انفصام فيها وعَلَى هذا فالعمل بالشوري واجب وضرورة شرعية لا جدال فيها، وترك العمل به هو مما لا يجوز شرعاً وتحاسب عليه الأمة الإسلامية.

أما العمل بالديمقراطية التي هي قائمة عَلَى أساس قطع الصلة بالأحكام الشرعية من حياة الفرد والمجتمع أي أنها تقوم عَلَى مبدأ العلمنة الذي يفصل الدين عن الدولة، وأنه لا صلة للأديان بالجوانب التشريعية والتنفيذية والقضائية في الدولة، أي أنها قائمة عَلَى علاقة تضاد بين الدين والدولة، وهذا قطعاً لا يجوز العمل به بأي حال من الأحوال، فما فرضته الدول الغربية علينا منذ الاستعمار الذي حدث في بلدانا لا يجوز الاستمرار فيه ولابد من تركه حينما تسنح الفرصة، وهذا الدور غير منوط به الحكام وفقط بل والشعوب المسلمة أيضاً.

سابعاً: طبيعة النظام المطبق فيه

إن الديمقراطية غالباً ما كانت تمارس في أنظمة سياسية لا دينية لا سيما في الغرب لأن الاعتقاد السائد في هذه البلدان أن الحكم الديني ينتج عنه طبقة كهنوتية تتحكم في مقاليد الأمور، وبالتالي مصادرة أي مخالفة للرأي وإصدار أحكام بالزندقة لمن يرتقي بالعلم أو يعارض الكنيسة أو غير ذلك مما حدث في القرون الماضية وخصوصاً قبل الثورة الفرنسية، فهذه هي طبيعة هذه الدول وهذه هي عقيدتها وهذا هو تاريخها.

أما في دولنا الإسلامية فالأمر جله مختلف عن هذه الأحداث وهذه البنيات الأساسية في المجتمع الغربي، فالشوري ونظام الشورى لا يخلف طبقة كهنوتية البتة، بل أهل رأي وشورى في كل تخصص وعلم وفن من الفنون يبدون الرأي ويظهرونه جلياً وفقاً للمصلحة الشرعية أولاً ثم الحياتية ثانياً وإن كان لا انفصام بينهم إن سارت حياتنا وفقا لمقتضيات الشرع لا الهوى.

وعَلَى هذا فإن طبيعة البلدان الغربية إن تقبلت الأنظمة الديمقراطية، فهي لا تصل لبيئتنا ومجتمعنا، وإن كان الواقع يؤكد أن الانتخابات تزور ويتم التلاعب في هذه الدول الغربية بنتائج الانتخابات بألاعيب وسبل كثير من بينها فكرة احتساب المقاعد في البرلمان فيوضع عدة أنظمة تخدم الأكثرية أو تفتت المجتمع بحجة الأقلية أو غير ذلك من الأمور التي أثبتت أن هذه الأنظمة غير جديرة بتحقيق التوازن المجتمعي بأي حال من الأحوال.

فإذا كان الوضع كذلك ومجتمعاتنا تختلف عن هؤلاء جذرياً فلماذا نصر على استيراد هذه المفاهيم وهذه السبل؟ ونحن لدينا ما يصلح لنا، وما صلحنا إلا به من قبل وكنا اسياد العالم عندما عملنا به.

ثامناً: أهداف الشورى والديمقراطية

إذا تم حصر اهداف الديمقراطية فسنجد أنها تدور في فلك القضايا المادية وتبعد كل البعد عن القضايا الروحية، وذلك عكس الشورى التي تحقق التوازن بين القضايا المادية والروحية، إذ انها مستقاة من روح الشرع الحكيم الذي قوامة تحقيق التوازن بين الروح والجسد.

تاسعاً: المنوطين بالتطبيق

من أبرز التمايزات بين الشورى والديمقراطية فكرة أهل الشورى من يكونون؟، وأهل الديمقراطية من الذين يقررونهم؟ أي من هم المنوطين بتطبيق الشورى أو المنوطين بتطبيق الديمقراطية؟.

فإذا نظرنا إلي الوضع في الديمقراطية سنجد أن أهلها يقولون أن المنوطين بتطبيقها هم الشعب ككل بجميع أفراده، وإن كان تحقيق ذلك وفقاً لهذا المفهوم مستحيلاً ولم يتحقق في أي دولة من دول العالم حتي وقتنا الحالي، ولكن علي الأقل نستطيع أن نقول أنهم يقصدون غالبية الشعب، بمن فيهم من يعي ومن لا يعي، من يفقه قيمة الشيء الذي سيصوت عليه ومن لا يفهم، من جاء بدافع المصلحة العامة، أو من جاء بدافع المصلحة الشخصية، ولذلك سنجد أن أغلب الديمقراطيات يسهل التحكم فيها وتوجيهها دون أدني صعوبة في ذلك سواء من الحكام، أو من يديرون مثل هذه الألاعيب، فعلي سبيل المثال لا الحصر سنجد أن المتحكم في الانتخابات الأمريكية هو اللوبي الصهيوني رغم عظم مساحة الولايات المتحدة وكثرة التعداد السكاني بها وقلة عدد اليهود فيها مقارنة بعدد السكان من غير اليهود، إلا أن من يتحكم في الانتخابات هو اللوبي الصهيوني الذي أغلبه بمدينة نيويورك، فهل هذا هو التمثيل الصحيح للانتخابات وللديمقراطيات؟.

وحتى في دولنا العربية التي يظهر فيها بجلاء دور الرشوة في تحريك الانتخابات وفقا للمسار الذي يريده الحزب الحاكم، بل يعيد هيكلة النظام الانتخابي وفقاً لأهوائه، حتى في نهاية المطاف يفوز الحزب الحاكم، وبأغلبية ساحقة وفقاً للنظام الديمقراطي، فيكون له الحكم الديكتاتوري تحت مسمى براق وهو الديمقراطية.

الشورى وأهل الحل والعقد

بينما الوضع في الشورى يختلف إذ أنه مرهون بأهل الحل والعقد من العارفين والعالمين بما سوف يصوتون عليه وما يدلون فيه من الرأي، وقد يثور تساؤل أليس من الممكن أن ينحرف أهل الحل والعقد ويتجهوا إلى ما يخالف الشريعة الإسلامية؟.

إن هذا الأمر لا يمكن تحققه دون أن يُكشف عَلَى الفور، ذلك لأن الأصول الإسلامية ثابتة لا جدال فيها ولا خلاف، أما الفروع فهي التي فيها الخلاف، وهذه الفروع لن تضر أحد إن اُتخذ فيها قول من الاقوال وفقا للصالح العام.

فعلي سبيل المثال، لو أن أهل الشورى قررت فرض ضريبة في وقت من الأوقات وقالت إن هذه الضريبة ستكون مدي الحياة، فهنا فوراً يكشف العوار الذي قامت به إذ أن الضريبة في الإسلام لها ضوابط وشروط من بينها أنها مؤقته حتى لا يرهق كاهل المسلمين.

وحتى عَلَى سبيل المعاهدات الدولية، فإذا أقرت الدولة معاهدة مع عدو من أعداء الإسلام بجعل بيننا وبينهم سلام دائم مثل اتفاقية السلام المزعوم فهنا وفوراً يكتشف عوار مثل هذه الأمور إذ أن الهدنة او الاتفاقيات الدولة في الإسلام بيننا وبين الأعداء لا تكون إلا بوقت مثلما حدث في صلح الحديبة.

أما الفروع في هذا وذاك، هو تأقيت مدة الضريبة هل ستكون شهر أو سنة، حسب الظرف الراهن، وكذلك في مدة المعاهدة هل تكون عشر سنين او خمسة عشر سنة، وفقاً أيضا للوضع الراهن، إلا أن هذا كله في الختام يكون في إطار الشريعة الإسلامية ولا يخرج عنها.

يا بني أحِطْ من أطاعك بالإعزاز، وأنعم عَلَى الجنود، ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة.

ينصح السلطان عثمان أبنائه من بعده في هذا الجزء بنصائح في غاية الأهمية كسابقتها، وإن كان في هذا الجزء هلاك الأمة إن لم تعمل الحكام بهذه الكلمات الطيبة، وذلك لأنها مستقاة من القرآن الكريم والشرع الحكيم.

فيقول أحط من أطاعك بالإعزاز، وهذا من الأمور المهمة التي تجعل الرعية يحبون حاكمهم ويطيعونه حباً لا كرهاً، بل حتي إنه من الشروط والضوابط التي لابد للخليفة القرشي (سنفصل في ذلك لاحقاً) أن يعمل بها وهي بسط الرحمة للرعية ما إن اسُترحم ففي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الأْئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، إن لهم عليكم حقًا ولكم عليهم حقًا مثل ذلك، ما إن استرحموا رحموا، وإن عاهدوا وفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”، فأصبح إحاطة الرعية التي تطيع الحاكم بالرحمة والعدل من الشروط المهمة للخليفة والتي إذ لم يفعلها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وقوله انعم عَلَى الجنود: فتجد ذلك القول من وحي الشريعة الغراء بل من إعجاز التشريع الإسلامي الذي يراعي النفس البشرية فجعل للجنود نصيب محفوظ في الغنائم التي تغتنم في الحرب، وسواء كان التوزيع في دار الحرب بعد انهزام العدو كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم بني المصطلق في بلادهم، وكما قسم غنائم خيبر فيها أو أن تقسم الغنائم في طريق العودة إلى البلد مرة اخري كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين في الجعرانة قرب مكة، وكما قسم الغنائم بذي الحليفة قرب المدينة حكم مال المسلم إذا وجده عند العدو.

خلاصة القول

جعل الإسلامُ للجنودِ نصيباً مفروضاً معلوماً في الغنائم لأن النفسَ البشريةِ تغلب على الجنديِ الذي يرى جهداً بذل، ونصراً تحقق، وغنائم تغتنم، وهو يخرج من كل هذا بلا ادني نصيب في الدنيا، ولا أي منافع، ولذلك كان لابد من الإنعام عَلَى الجنود، حتى بعد ذلك إذا أراد الحاكم ان يعاقب الذي يخون أو الذي يقصر فيكون له أكبر حق في ذلك دون أن يكون عليه ذرة لوم.

ولا يغرنك الشيطان بجندك وبمالك: وهذه من أروع ما قاله من نصحٍ منبعه القران الكريم، فإذا رأينا ذو القرنين وهو الذي يملك الجنودَ والمالَ ويتحكمُ في الشعوبِ والبلاد والعباد بالعدل قائلاً” قال هذا رحمة من ربي”، فكانت هذه العبارة المباركة إشارة الي عدة معاني:

منها ما يقوله سيد قطب: “ونظر ذو القرنين إلى العمل العظيم الذي قام به؛ فلم يأخذه البطر والغرور، ولم تسكره نشوة القوة والعلم، ولكنه ذكر الله فشكره، ورد اليه العمل الصالح الذي وفقه اليه….”.

فإن من أعظم صور الذكر أن يتذكر العبد فضل الله عليه فيستشعر أن فضل الله عليه عظيم فيتواضع ويعدل ويذكر ويشكر.

وقوله تعالي “حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين”، فهذا دلالة واضحة علي أنه لولا رحمة الله تعالى لما كُتب نصراُ حتي للرسل، وإن النصر ليس بالقوة والعدة والعتاد إنما بفضل الله تعالي ورحمته؛ فلا يغتر المغترون بقوة الجيش ولا عتاده، وإن كان من الواجب علي المسلمين أن يهتموا بالتسليح والجند وما الي ذلك ولكن دون أن يغتروا به، أو يوكلوا أسباب النصر إليه، وإلا ما نفع فرعون جنوده، ووزرائه، بل كانوا كلهم في مصاف جهنم وبئس المصير ولذلك ستجد الآيات تضعهم في مصاف واحد طريقه جهنم ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾”، فلا يغتر الحاكم بجنده وإلا كان هو وجنده في جهنم وبئس المصير.

وقول عثمان رحمه الله وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة فهذا أيضاً منبعه القرآن الكريم وذلك من قوله تعالي﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾.

فالأمر من الله تعالى واضح، وجلي، أن سبيلَ النجاةِ في الآخرةِ هو طريق الصالحين فلا نعدو الأعين عن هؤلاء، ونسير في رحابهم، وعلى نصحهم، ومشورتهم، وذلك إن أردنا الجنة في الآخرة، والفلاح والصلاح في الدنيا، وعلى هذا سار عثمان ابن ارطغرل، وعلى هذا نصح من بعده، وعلى هذا سار أبنائه وخصوصا الأوائل منهم.

يا بني: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء الله رب العالمين، وأن بالجهاد يعم نور ديننا كل الآفاق، فتحدث مرضاة الله جل جلاله.

إن رضى المولى عز وجل هو غاية كل مسلم عموماً، والقادة خصوصاً، الذين يرجون نصرةَ دينِ اللهِ عزَ وجلَ، لا الذين يحبون الدنيا مثلما نحيا الآن بينهم ويحكمون البلدان بعيداً عن شرعِ اللهِ، وتحت مسميات قانونية وألفاظ مستوردة من الخارج، ما أنزل الله بها من سلطان، ولذلك لا نعجب من قول الله تعالى الذي ربط رضاه سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله، حيث قال: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ”  فقد جهل الله عز وجل الخروج في سبيله ابتغاء شريطة مرضاته.

وقد ورد ذكر الجهاد كثيراً في الكتاب والسنة، فمن ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾وقوله سبحانه:﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾.

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد.

ولذلك فإن العزةَ والذلةَ مقرونة بالتمسك بالجهاد وتركه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينك”.

ولهذا فلا نعجب من حال الأمةِ الإسلاميةِ اليوم حيث الذلة والمهانة؛ ذلك لبعدها كل البعد عن أمر الله وعن جهاده الذي هو ذروة سنام الإسلام.

يا بني لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت له أهل.

إن هذه الفقرة من الوصية تبين طبيعة تكوين الدولة العثمانية وسر نجاحها وتفوقها، وما يميزها عن غيرها من الدول، إذ الغاية التي قامت من أجلها هي الدفاع عن الإسلام ورفع رايته في مشارق آسيا الصغرى والقضاء على الدولة البيزنطية التي كانت تهدد المسلمين في ديارهم، ومن ثم لقب زعيم هذه الدولة الناشئة بلقب الغازي، أي المجاهد في سبيل الله، وكان يتلقى هذا اللقب في حفل مشهود بتسليمة راية الجهاد من عالم كبير وأن الغازي عثمان دعا المسلمين من الترك وغيرهم لينضموا تحن راية الجهاد في سبيل الله فاستجاب الكثير من المؤمنين الصابرين تحدوهم جميعا رغبة شديدة في الانتصار لدين الله تعالي والقضاء علي الدولة البيزنطية.

قصة زواج عثمان ابن أرطغرل

كثير منا قد يعلم عن السلطان عثمان ابن ارطغرل مؤسس الدولة العثمانية الشهيرة التي ملئت الدنيا ووصلت بالإسلام من اقصاها الى اقصاها، وذلك في زمن قوتها، الى ان تكالب عليها الاعداء من الداخل والخارج فانهارت وسقطت الخلافة العثمانية الاسلامية عام 1924.

ولكن هل يعلم أحد عن قصة زواج عثمان ابن ارطغرل؟ فأنها قصة رائعة من العجائب.

فقد كان عثمان اثناء مسيرة قد رأى رجلاً صالحاً مصادفة، وفى هذه الاثناء خرجت ابنته التي رآها ومذ رؤيتها تعلق قلبه بها لدرجة كبيرة، وقرر ان يطلبها للزواج ولكن ابيها رفض، ولا تذكر المصادر سبب الرفض.

ولكن عثمان كان قلبه شغوفا بها لأقاصي الدرجات، فقد امتنع عن الزواج من النساء نهائيا إلى أن يسر الله له الامر من هذه المرأة التي تعلق به قلبه، وانشغل بها فكره وعقله، وملئت كيانه بمجرد رويتها حباً وسعادةً وسروراً.

وفى يوم من اسعد ايامه نزل عثمان عَلَى هذا الرجل الصالح ليطلب منه ابنته مرة اخرى، ولكنه أصر عَلَى الرفض، فنزل عليه ضيفا، وهو مهموماً محزوناً، ولكنه متعلق بالله عز وجل، فنام في بيت الرجل الصالح هذا –كضيف -فرأى رؤية من أعجب الرؤى، قام من نومة على أثرها فرحاً ونادى عَلَى الرجل الصالح هذا وقص عليه الرؤية بإخلاص وصدق، فصدقة الرجل ووافق بعدها عَلَى الزواج من ابنته.

ويروى صاحب الشقائق النعمانية هذه الرواية محدد هوية الشيخ وهو “اده بالى” فيذكر انه كان من علماء زمانه وقد ارتحل لطلب العلم وتفقه فيه إلى أن عمل بخدمة عثمان ابن أرطغرل وقد قام ببناء زاوية في الأراضي العثمانية، ليبيت فيها المسافرون، وكان يبيت فيها عثمان، وهي التي رأى فيه الرؤية.

أتعلمون ما هي هذه الرؤية التي كانت سببا في تزويج هذه البنت من عثمان؟!
قد رأى عثمان القمر صعد من صدرِ هذا الشيخ وبعد أن صار بدراً، نزل في صدر عثمان ثم خرجت من صدره شجرة نمت في الحال حتى غطت الأكوان بظلها، ونظر أكبر الجبال تحتها وخرج النيل ودجلة والفرات والطونة(الدانوب) من جذعها ورأى ورق هذه الشجرة كالسيوف يأخذها الريح حول مدينة القسطنطينية.

فكانت هذه شجرة آل عثمان المباركة التي فتحت الدنيا وأعادت الفتوحات والأمجاد مرة أخرى بعد أن توقفت وخمدت لفترة طويلة.

تعقيب صغير

عند تتبع هذه الروية وغيرها من الرؤى التي تتحدث عن تأسيس الدول، نجد أنه عَلَى مر التاريخ قد دُست أمثال هذه الرؤى كما في رؤية الإمام محمد العباسي لقيام الدولة العباسية وفى غيرها.

إضافة إلى أن غالبية الرؤى التي وردت في أمثال قيام الدول كرؤية عثمان، أما سندها ضعيف أو مرسل أو حالها مضطرب كما في هذه الرواية، ولكن أردنا ذكرها بتعقيب حتى يتم العلم للجميع بضعف هذه الرواية، وغيرها من الروايات المتعلقة بقيام الدول.

وللعلم فالدولة العثمانية لا تحتاج الى مثل هذه الرؤى حتى يلمع نجمها أو تلمع شخصياتها، فهي عظيمة في ذاتها كريمة بأهلها، عظيمة بجهادها.

المصادر

مصطفى محمود زكي

ماجستير قانون عام وباحث دكتوراه، مقدم حلقات شخصيات حق علينا معرفتها وكاتب بموقع الألوكة. نرى… More »

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى