المرأة بين استغلال اتفاقية سيداو وعدل الإسلام

لعلك تعرف كيف عانت المرأة في الجاهلية الأولى قبل الإسلام، ولمزيد من التفصيل في هذا الأمر من الممكن أن تطالع هذا المقال الذي يعطيك لمحة سريعة عن بعض ما تعرضت له المرأة في الجاهلية الأولى.

ولقد جاء الإسلام فأعاد إليها كرامتها التي فقدتها على مدار قرون من الزمن؛ فبين لها حقوقها وواجباتها في جميع القضايا على الرغم من كون الإسلام مُتهمًا بامتهان المرأة واستغلالها!

لكن، ما رأيك يا سيدتي القارئة أن نحتكم إلى القرآن الكريم الذي بين أيدينا والذي لم يتغير وسنة نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- لتكون لنا بمثابة المرجع لنا في كل شك أو مشكل يعرض علينا، ونرى هل نجد ذواتنا بين ضفاف الشريعة أم بين مواد القانون والاتفاقيات؟

اتفاقية سيداو CEDAW

اتفاقية سيداو CEDAW.

هي اختصار لهذه الجملة (Committee on the Elimination of Discrimination Against Women) أو كما تعرف باتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي هي بمثابة أول الاتفاقيات التي صدرت من الأمم المتحدة في عام 1979م بشأن هذا الصدد. وقد سبق صدور هذه الاتفاقية إعلانٌ كان بمثابة تمهيد لبعض موادها وذلك في عام 1967م من قبل الجمعية العمومية، والذي لم يكن إلزاميًا في هذا الوقت بالمناسبة. لهذا لم يلقَ تجاوبًا من معظم الدول النامية.

وقد تم البدء في إعداد مسودة هذه اتفاقية سيداو في العام 1973م، ثم فُتح باب التوقيع على موادها في مارس لعام 1980م. والتي أصبحت سارية المفعول في 1981م بعد توقيع خمسين (50) دولة بالموافقة على بنودها!

موقف الدول من اتفاقية سيداو

وقعت لبنان على اتفاقية سيداو بالموافقة مع إبداء بعض التحفظات على عدد من المواد التي رأت فيها انتقاص لسيادة الدولة، وصاحبتها ثمانية عشرة دولة إسلامية أخرى، أبرزهم: ماليزيا – إندونيسيا – تركيا – بنغلاديش – باكستان.

ليصبح مجموع الدول الموقعة على اتفاقية سيداو هو مئة وسبعون (170) دولة.

ورفضت الاتفاقية عدة دول، من بينهم: الكاميرون – الولايات المتحدة الأمريكية – أفريقيا الوسطى – كندا. لكن ما سبب الهالة المحيطة حول هذه الاتفاقية؟ ولماذا امتنعت عدة دول عن التوقيع على موادها؟

سيداو بنظرة أقرب

بموادها الثلاثين تُساوي اتفاقية سيداو بين الرجل والمرأة في الحقوق في كافة ميادين الحياة السياسية، المدنية، الثقافية، والاقتصادية.

المبحث الأول: التعريفات والتدابير

والتي تحتوي على ست مواد (1-6) والتي تتضمن أخذ كل التدابير والتشريعات اللازمة لمكافحة التمييز ضد المرأة.

المادة الأولى والتي تنص على عدم التفرقة بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات الأساسية في الميادين السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والمدنية أو في أي ميدان آخر بغض النظر عن حالتها الاجتماعية.

دعنا نتعرف على بعض المفاهيم المجردة التي قد تساق إلينا؛ حتى لا يختلط الأمر علينا. ما المقصود بـ “المساواة“؟

المساواة تعني المعادلة والمماثلة، يقول راغب الأصفهاني: “المساواة المعادلة المعتبرة بالذراع والوزن والكيل، يقال هذا الثوب مساوٍ لذلك الثوب..”

لفظة المساواة تحوي الحق والباطل على سواء، فـالحق أن الإسلام جعل الرجل والمرأة متساويين في التكاليف الدينية والأحكام إلا ما استثناه النص (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

ومتساوون في الجزاء بالثواب في الدنيا والآخرة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، والعقاب أيضًا (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

أما الباطل فهو المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وهو ما دعت إليه اتفاقية سيداو، وإذا نظرنا بعين العقل في قضية المساواة التامة سنجد أنه من الظلم أن نساوي بين الرجل والمرأة في كافة الجوانب؛ لأن هناك فروقًا واضحة بين كلاهما (.. وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ..) فتجاهل هذه الفروق في الخلقة والتكوين وغض الطرف عنها يوقع المرأة في ظلم من حيث أراد إنصافها! لأنه بذلك يكلفها بما لا تطيق.

وهنا يأتي مفهوم العدل الذي هو ضد الجَور، والعدل هو الإنصاف وإعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه. لذا فالعدل أن يكلف كل من الرجل والمرأة بما يناسبه وتحتمله خلقته. والله الذي خلق كلًا منهم قد فرق بينهم في بعض الأحكام الشرعية منها -على سبيل المثال لا الحصر-:

  • تخفيف بعض التكاليف الشرعية مثل صلاة الجماعة والجهاد عن المرأة.
  • أسقط عن المرأة الصلاة والصيام في فترة حيضها ونفاسها.

المادة الثانية والتي تتضمن سبعة بنود تنص فيها على مطالبة الدول الموقعة بسن القوانين والتشريعات اللازمة بإزالة التمييز ضد المرأة وضمان حمايتها من جانب أي شخص أو مؤسسة تنتهك ذلك، بما فيها الأعراف والأنظمة، كما أن المرأة يكون لها الحق في التقدم ببلاغ إلى المحاكم الوطنية ضد أي عمل تمييزي يمارس ضدها.

المادة الثالثة والتي ترتبط بما قبلها؛ والتي تنص على أن تتخذ الدول الموقعة كافة التدابير لضمان تطور المرأة وتقدمها الكامل؛ لضمان ممارستها لحقوقها وحريتها الأساسية بالمساواة مع الرجل.

المادة الرابعة والتي تُقر بالتدابير المؤقتة التي تتخذها الدول لمكافحة التمييز ضد المرأة وذلك بهدف التعجيل في المساواة بين الرجل والمرأة.

أما المادة الخامسة فهي تسعى إلى تعديل الأدوار الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف القضاء على الأعراف أو التحيزات التي تمارس ضد المرأة ومن ضمنها الأدوار النمطية للمرأة.

ويجدر بنا الإشارة إلى أنه يطلق مفهوم النمط الاجتماعي الجندر على كل العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الرجل والمرأة. فما تسعى إليه الوثيقة هو إلغاء دور المرأة النمطي الذي تتفرغ فيه لمتابعة أدوارها الأسرية، والاعتراف بالمسؤولية المشتركة لكل من الرجل والمرأة في تنشئة الأطفال باعتبارها وظيفة اجتماعية!

هل علقت هذه الجملة في ذهنك؟ “وظيفة اجتماعية”؟

حسنًا، المقصود منها أن دور الأمومة الذي تمارسه الأم داخل الأسرة ما هو إلا دور يمكن أن يقوم به أي شخص! فهو دور نمطي وتقليدي -في نظر الوثيقة- ولا يجب أن يكون إلزاميًا أو حكرًا على المرأة دون الرجل.

ثم تأتي المادة السادسة لتكافح كافة أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة. ولعل السقطة هنا هي أن الوثيقة لا تكافح على سبيل المثال الزنا، فطالما أن انتهاك جسد المرأة وقع بكامل رضاها فهو لا يُحظر ولا يعتبر انتهاكًا!

نعم نعم، لا تنسى أننا ندعم حرية الأفراد!

المبحث الثاني: الحقوق السياسية

والذي يضم ثلاثة مواد هي:

المادة السابعة والتي تدعو لإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة في البلاد، على أن يكون لها الحق في التصويت الانتخابي والاستفتاءات، وكذلك المشاركة في تشكيل سياسة الحكومة، وكذا المشاركة في المنظمات والجمعيات غير الحكومية.

المادة الثامنة والتي تضمن تمثيل المرأة لحكومتها على المستوى الدولي والمشاركة في أعمال المنظمة الدولية.

أما المادة التاسعة والتي نادت بـ حق المرأة كما الرجل في الاحتفاظ بجنسيتها أو تغييرها، وضمنت بشكل خاص ألا يترتب على زواج المرأة بأجنبي تغيير جنسيتها لتصبح كمثل جنسية الزوج. هذا وقد منحت المرأة الحق كما الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.

المبحث الثالث: حق التعليم والعمل

والذي يحوي خمس مواد تقوم على إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة في ميدان العمل.

 وذلك عبر المادة العاشرة والتي تنص على أن تتمتع المرأة بنفس الحقوق التي يحصل عليها الرجل في التوجيه المهني ونفس المناهج الدراسية. كما تشجع على التعليم المختلط! كذا منح المرأة الفرصة للمشاركة في الألعاب الرياضية والبدنية.

من المؤكد أنك تعلمي أن الاختلاط بين الرجل والمرأة ليس محرمًا في ذاته؛ فهو جائز طالما دعت الحاجة إليه، لكن دون أن تذوب الحدود الشرعية بينهما.

أما ما يخص منح المرأة للمشاركة في الألعاب الرياضية فقد شجع الإسلام على الرياضة باعتبارها وسيلة للقوة (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ..) وقد قال ابن عاشور في المقصود بـ “قُوَّةٍ”: هو كمال صلاحية الأعضاء لعملها. ولا ننسى كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسابق أمّنا عائشة، ولو كان في الأمر حرج ما فعله النبي. لذا فممارسة الرياضة بذاتها لا يتنافى مع تعاليم الدين، لكن؛ وفق الإطار الشرعي؛ من ناحية أن تلتزم بزيها المحتشم وحجابها، مع البعد عن الألعاب العنيفة التي قد تؤثر عليها بالسلب.

وهنا لا ننسى أن نحذر من الصالات الرياضية المختلطة التي قد تخدش حياءها.

المادة الحادية عشر والتي تنص على أن تتخذ الدول كافة التدابير للقضاء على أي تمييز ضد المرأة في مجال العمل، فيكون لها الحق في التمتع بنفس فرصة التوظيف، والحق في اختيار المهنة والحق في الترقي الوظيفي، كذلك الحق في الحصول على نفس الأجر الذي يتقاضاه الرجل في نفس الوظيفة، وأيضًا الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى حظر فصل المرأة من عملها بسبب الحمل أو الوضع.

وهنا علينا أن نذكر أن الإسلام أباح للمرأة العمل كما الرجل، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن عمل المرأة ليس إلزاميًا، لكنه اختياري وفق ما تتعرض له من ظروف وما تمر به من احتياجات.

 المادة الثانية عشر والتي تمنع التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتحديد النسل.

في حال بحثت عن رأي الدين في قضية تحديد النسل الذي تدعو إليه سيداو ستجد أن الإسلام لا يجيز الأمر. بل على العكس؛ فقد روى النسائي وأبو داود والإمام أحمد بلفظ: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم”. ومنها: “تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”. وهو حديث صحيح رواه الشافعي عن ابن عمر.

فلا يجوز منع الحمل إلا في حالة ثبوت ضرورة محققة يقرها أهل الطب الأمناء.

المادة الثالثة عشر والتي تمنع التمييز ضد المرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالحق في الاستحقاقات الأسرية” الإرث”، والحصول على القروض المصرفية والرهون العقارية، وكذا الحق في الاشتراك في الأنشطة الترويجية وفي جميع جوانب الحياة الثقافية.

وهنا علينا أن نبين أمرًا قد يستشكل على كثيرٍ من المسلمين في نص هذه الآية (.. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..) وذلك بعد ظهور الدعوات التي تنادي بالمساواة في الإرث!

قال الله تعالى: (.. قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ..). في كثيرٍ من الأحيان تحصل المرأة على نفس نصيب الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث هو، وبالمقابل فهناك أربع حالات فقط ترث فيها نصف ميراث الرجل. وقد بين العلماء الحكمة من كون نصيب المرأة نصف نظيرها من الرجال؛ لأنه المكلف بالنفقة عليها.

أما ما يخص القروض المصرفية فيجدر بنا الإشارة إلى تحريم المعاملات والقروض المصرفية الربوية التي تخالف تعاليم الشريعة.

المادة الرابعة عشر والتي تلزم الدول للأخذ في الاعتبار بالتحديات التي تواجه المرأة الريفية والأدوار التي تؤديها.

 المبحث الرابع: حق الأهلية القانونية

وهو الذي يستند على مادتين هما المادة الخامسة عشر والتي تمنح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل، وتعطيها كامل الحق في إدارة الممتلكات. لكنها تنادي أيضًا بحرية المرأة فيما يتعلق باختيار مكان إقامتها وسكنها!

 المادة السادسة عشر والتي تقضي على التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بقضية الزواج والعلاقة الأسرية، فالمرأة لها الحق في عقد الزواج وفي اختيار الزوج، بل ورفض الزواج إذا لم يكن وفق رغبتها. لها الحق في أن تُقرر عدد الأطفال والفترة بين كل طفل وآخر، كما أنها تتمتع بنفس الحقوق الشخصية للزوج بالإضافة لما يتعلق باقتناء الممتلكات والتصرف بها، بالإضافة إلى أنها تتمتع بنفس الحقوق والواجبات عند فسخ العقد (الطلاق).

وفي تأمل هذه المادة نجد أنها أسقطت زواج المرأة بموافقة الولي! وقد جاءت امرأة بكر إلى النبي وقالت:

يا رسول الله إن أبي زوجني وأنا كارهة، فخيرها النبي.

لذا فلا يجوز بأي شكل من الأشكال إجبار الفتاة على الزواج من شخص دون رضاها.

المبحث الخامس: الهيكل الإداري

وهذا الجزء يتألف من ست مواد معنية بالنواحي الإدارية لتنظيم العمل الداخلي؛ مثل آلية انتخاب الأعضاء، والتزام كل دولة بتقديم تقرير يبين ما اتخذته من إجراءات في ضوء تطبيق اتفاقية سيداو وبيان مدى تقدمها في ذلك.

المبحث السادس: النفاذ والتوقيع والتحفظ

والذي يضم ثماني مواد شأنها الالتزام التام باتخاذ التدابير الخاصة بتطبيق بنود اتفاقية سيداو في الدول الموقِعة عليها، على أن يكون لكل دولة الحق في طلب إعادة النظر في اتفاقية سيداو وذلك عبر إشعار كتابي إلى أمين الأمم المتحدة.

ووفقًا للمادة الثامنة والعشرون فلا يجوز لأي دولة التحفظ على الوثيقة وغرضها، وفي حال نشأ خلاف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بين بعض الدول الموقعة -ولم تتم التسوية عبر المفاوضات- جاز لهذه الدول إحالة النزاع للمحكمة الدولية وهذا ما نجده في المادة التاسعة والعشرون.

هذا وحتى يكتمل لديك البناء، علينا أن ننظر إلى مكانة المرأة في الإسلام لنجيب على سؤالنا الذي طرحناه عليكم.

المرأة في الإسلام

وقد حان الموعد أن نسرد لك قليلًا من كثير كفله الإسلام لكِ، دون مواثيق ودون معاهدات ودون أن تستنصري بمن ليسوا أهلًا لنصرتكِ. فقد كفل الإسلام لكِ حقوقًا منذ أن كنت طفلة في رحم أمك؛ فإذا طلقت المرأة وهي حامل وجب على الأب الإنفاق حتى تضع مولودها. ومن هذه الحقوق:

الحق في التعليم

يقول الله عز وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5))

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “النساء شقائق الرجال” وشقائق -كما قال الخطابي في معالم السنن- تعني أنهم نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع كأنهن شققن من الرجال. وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان موجهًا للنساء أيضًا إلا مواضع الخصوص، لذا فكل ما اُمر به المسلم فهو حق للمرأة إلا ما خُصص.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لإحدى الصحابيات أن تعلم زوجته حفصة: “ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة”. وجاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: “يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن رسول الله فعلمهن مما علمه الله”.

فلو كان في الأمر حرج ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحق في الإرث

كما تقدم ذكره فلم يكن للمرأة في الجاهلية من حقوق، لكن الإسلام جاء ليُقر بحق المرأة كما الرجل في الإرث حسب درجة قرابتها من الميت (.. لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ..).

الحق في المشاركة في الحياة الاجتماعية

فهي من تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ..).

حرية الرأي

لطالما أتاح النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة للتعبير عن آرائها بحرية دون لوم أو نهر.

قالَ عُمَرُ: “واللَّهِ إنْ كُنَّا في الجَاهِلِيَّةِ ما نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أمْرًا، حتَّى أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ ما أنْزَلَ، وقَسَمَ لهنَّ ما قَسَمَ، قالَ: فَبيْنَا أنَا في أمْرٍ أتَأَمَّرُهُ، إذْ قالتِ امْرَأَتِي: لو صَنَعْتَ كَذَا وكَذَا، قالَ: فَقُلتُ لَهَا: ما لَكِ؟ ولِما هَاهُنَا؟ وفِيمَ تَكَلُّفُكِ؟ في أمْرٍ أُرِيدُهُ، فَقالَتْ لِي: عَجَبًا لكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ! ما تُرِيدُ أنْ تُرَاجَعَ أنْتَ وإنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يَظَلَّ يَومَهُ غَضْبَانَ.

فَقَامَ عُمَرُ فأخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حتَّى دَخَلَ علَى حَفْصَةَ، فَقالَ لَهَا: يا بُنَيَّةُ، إنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى يَظَلَّ يَومَهُ غَضْبَانَ؟! فَقالَتْ حَفْصَةُ: واللَّهِ إنَّا لَنُرَاجِعُهُ، فَقُلتُ: تَعْلَمِينَ أنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ، وغَضَبَ رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يا بُنَيَّةُ، لا يَغُرَّنَّكِ هذِه الَّتي أعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إيَّاهَا -يُرِيدُ عَائِشَةَ- قالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حتَّى دَخَلْتُ علَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتي منها، فَكَلَّمْتُهَا.

فَقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ! دَخَلْتَ في كُلِّ شَيءٍ حتَّى تَبْتَغِيَ أنْ تَدْخُلَ بيْنَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأَزْوَاجِهِ، فأخَذَتْنِي -واللَّهِ- أخْذًا كَسَرَتْنِي عن بَعْضِ ما كُنْتُ أجِدُ”.

الحق في الملكية

قبل الإسلام وفي الجاهلية كانت المرأة تُورَّث كما تُورَّث الأنعام والمتاع، فجاء الإسلام وجعل لها حق التملك والانتفاع والتصرف فيما تملكه، وأصبحت تتمتع بذمتها المالية الخاصة التي لا يحق لأي أحد أن يتعدى على ممتلكاتها تحت أي مسمى.

الحق في الزواج

كفل الإسلام للمرأة كامل الحق في اختيار زوجها الذي ترتضيه واحترام إرادتها، بل وجعل النبي الزواج لا يتم إلا بإذنها وذلك وفقًا لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

لا تُنكح البكر حتى تُستأذن..

الحق في المشاركة السياسية

لم تكن المرأة في معزل من المشاركة السياسية في الإسلام (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). والبيعة كما عرفها ابن خلدون: هي العهد على الطاعة لولي الأمر. فهي خصيصة من خصائص نظام الحكم في الإسلام.

وفي الجهاد كانت المرأة حاضرة ولم يمنعها أحد، فهذا أنس -رضي الله عنه- يقول:

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى.

وقفة

والآن سأعيد عليكِ السؤال مجددًا، هل وجدتِ نفسكِ بين مواد الوثائق والمعاهدات؟ أم بين ضفاف الشريعة؟

يمنى حمدي

مُعلمة وفيزيائية، مهتمة بأحوال المسلمين، وأسعى لأن أزرع شيئًا في النفوس لا يمكن اقتلاعه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فأسأل أن يبارك جهودكم في نشر الوعي، ولدي مقترح، وهو إضافة إختيار الواتساب الى اختيارات المشاركة إن أمكن، وذلك لتسحيل مشاركة عدد أكبر بمقالاتكم، حفظكم الله وجزاكم كل خير. مع خالص التقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى