أفلام الكرتون: خطر محدق وآباء غافلون

ما إن يُفتح المجال للحديث حول الأطفال والجيل الصاعد، إلا وترى الجميع يشْكُون: فما بين فرط حركة وتشتت تركيز، وعنف غير مبرر، وأحاديث لا تناسب أعمارهم، وثقافات خرجت عن الموروث الثقافي والحضاري وعادات الآباء التي صارت مصدر ضيق لهم، وقيم دينية صارت عبئًا ثقيلًا لا يتقبله بعضهم، وذائقة مستحدثة طالت حتى الهويّة الأصيلة لمجتمعاتنا!

ثم نتساءل: من أين أتى الأطفال بكل هذا ونحن نحافظ عليهم داخل المنزل في بيئة آمنة لا يختلطون بأحدٍ، ولا يتعرّضون إلا لما اخترناه لهم من القنوات الفضائية، ونمنع عنهم كل الانحلال الأخلاقي الذي تعرضه السينما والأفلام؟! ويا للأسف، حين نعلم أننا مَن يضعهم داخل بيئة الانحلال بأيدينا، بل ونوفر لهم تدريبًا يوميًا على مفاهيم هي أبعد ما يكون عن ديننا ومجتمعاتنا؛ فنتركهم أسرى «أفلام الكرتون» وقنوات الأطفال التي أصبحت الأم البديلة، والأسرة الحاضنة.

فما الغرس الذي وضعتم لتنتظروا جَنْيَه الآن؟

قد يتحدث البعض عن بعض القيم الصحيحة، التي تزرعها أفلام الكرتون في الأطفال، وأن هذه الأفلام تُعرض للطفل الغربي، كما تُعرض لأولادنا. فلِمَ نظرية المؤامرة التي نعيش فيها؟

هذا صحيح تمامًا ولا نخالف فيه، ولكن الإشكال في البيئة التي استوردنا منها هذه الأفلام والمسلسلات. فالغرب الذي نهاجم مناهجه في الفكر ونوع التدين والعنف والانحلال الأخلاقي، هو ذاته المُنتِج لهذه الأفلام، ومعه اليابان أيضًا، والتي لا تختلف عنه كثيرًا؛ فمجتمعاتهم لا تجد أي إشكال في الكفر ولا الإلحاد، ولا في أساطيرهم عن صراعات الآلهة، ولا حتى فعل الفواحش، ويُعدّونها من الحريات الشخصية.

فنشأ الطفل المسلم مُنسلِخًا عن بيئته، كابنٍ للثقافة الغربية، يرى العالم بمنظورها الغربي. فبدلًا من التغريب الذي كان يحدث قديمًا باستقدام طلاب جامعيين إلى الغرب ليتشربوا ثقافته ومفاهيمه، أصبح الآباء والأمهات هم صانعو هذه البيئة الغربية ورعاة التغريب بترك الطفل فريسة سهلة لهذا المنتَج الذي نشأ خارج السياق الاجتماعي لبيئتنا وعاداتنا وأعرافنا. وإليكم ما يتعرض له أبناؤنا ونحن في غفلة عنهم، نرجو فقط أن يسكنوا ويستقروا ولا يُضِيعوا تعب الأم في ترتيب المنزل ولا يُزعِجوا الأب وهو يحضِّر لعمله.

المخاطر العقدية في أفلام الكرتون

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا.

وإنه لمِن أول الضروريات التي يحرص الإسلام على حفظها، حفظ الدين، ولَمِن أول ما تلوّثه أفلام الكرتون هي العقيدة، فما بين أساطيرهم التي يملؤون بها عقول الأطفال، إلى ادِّعائهم تعدد الآلهة، وبناء الأفلام على السحر والساحر وتحقيق الأمنيات بعصاة أو بوالدين سحريين، وانعدام أي أثر للمظاهر والشعائر الإسلامية، حتى الحجاب لا يظهر إلا إن أتت صورة راهبة، والصلاة لا تبرح كونها جلوسًا على الركبتين وتشبيكًا للأصابع.

والدعاء يُتوجّه به لصنم أو للـ”الأم الطبيعة” أو “لحقيبة الأمنيات”.. يصاحب هذا غفلة الوالدين عن متابعة ما يتلقاه أبناؤهم؛ فتجد الطفل يتوه في عالم من المخاطر العقدية التي لا يستطيع الفِكاك من إشكالاتها، فيصارع الطفل بين ما يتلقاه من عالم أفلام الكرتون وبين ما يتلقاه من والديه وبيئته حول الدين والتوحيد والسحرة والشعائر والأحكام والصيام والصلاة والحجاب، وغيرها الكثير من الأمور التي لا يستطيع عقل الطفل إدراكها، أو الخروج من إشكالاتها بمفرده! فإليكم بعض ما يتلقاه أبناؤنا من مخاطر عقدية يصارعونها بمفردهم، هذا إذا لم يتأثروا بها ويتشرّبوها.

https://www.youtube.com/watch?v=lSQMdKqq8y0

فيما يتعلق بالإله

تقوم أفلام الكرتون على فكرة تصارع الآلهة، أو تخصص الآلهة ليقوم كل إله بإدارة جزء من الكون، وهذه الآلهة -في نظرهم- تُجسَّم كأشخاص لهم بنية جسدية أكبر، أو نور في السماء، أو حتى أصنام؛ فلا يهم لديهم. ومن أظهر ما يكون في ذلك هو كرتون يوجي يو، وكذلك السنافر، فلا يكاد يحدث حدث عظيم إلا ويتبعه بابا سنفور بشكر “الأم الطبيعة” على فضلها. هذا ناهيك عن كون وجود آلهة للشر تنظر من السماء لتحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفوضى والقتل، ثم إعادة من قُتل منهم إلى الحياة، ليكمل دوره في الفساد في الأرض، كما في مغامرات جاكي شان، ومات هاتر.

تكريس الإيمان بالسحر

ولا يكاد يخلو فيلم من أفلام الكرتون من نوع من السحر، إما في دور الساحرة الشريرة التي تسحر البطلة أو البطل لتضرهما، أو للتحكم في مجموعة من الأشرار. أو السحر لفعل الخير الذي يُلجأ إليه لحل المشكلات، ومساعدة الأبطال ومنحهم القدرات الخارقة. بِدءًا من والدين سحريين ينفذان كل ما يطلبه البطل والذي تؤدي أمنياته في الغالب إلى كوارث، وصولًا إلى سحرٍ حقيقي كما في أميرات ديزني، وخلطات بابا سنفور التي تعيد لهم الحياة والصحة وتعيد الأوضاع إلى طبيعتها، وكما في مارلن ودورايمون ونوبي، ودروبي مع دوري مي، وبن 10، وأدغال الديجيتال، وصولًا إلى فتيات القوة، والتي قام البرفيسور بصناعتهن وخلقهن -حسب زعمهم- من تركيبات كيميائية، وهي المعلومة التي يؤكدون عليها ويذكرونها مع كل حلقة من حلقات المسلسل قبل بداية الحلقة.

وفي هذا خطر عظيم على معتقدات الأطفال الذين يرون يوميًا مئات المشاهد التي تُحلّ بالسحر، فيؤمنون بأنّ هذا هو سبيل حل المشكلات، بل وسبيل كسب القوة والتغلب على الأشرار. هذا ناهيك عن الانفتاح والثورة العلمية التي وفرها جوجل؛ فأصبح بين يدي الطفل ما يمكّنه من البحث عن المعلومة التي يُريد في ثوانٍ، فلا نستبعد أن تكون هذه المعلومة هي كيف تصنع سِحرًا. لا نقول بأن الطفل سيستطيع الدخول إلى عالم السحر بمجرد بحث أو ضغطة زِرّ، لكنه حتمًا ولا بد أن يتغير اعتقاده تجاه السحر، رغم الحكم الشرعي فيه.

الكريسماس والهالوين

ولا تكاد تخطئ الحِسّ الكنسي الغربي في أفلام الكرتون، وبخاصة في الاحتفالات. فغالبية -إن لم يكن كل- أفلام الكرتون لا تخلو من مشاهد وحلقات عن احتفالات عيد الميلاد، فيزين الأطفال شجرة عيد الميلاد، وتعجّ الحلقة بالاحتفالات والهدايا وصوت أجراس الكنائس وبابا نويل، يحدث هذا داخل إطار من البهجة والمرح والحب والسعادة، فأصبح أطفالنا ينتظرون رأس السنة الميلادية ليبحثوا عن الهدايا، ويريدون شجرة عيد الميلاد ويطلبون ملابس وقبعة بابا نويل. ومثله تمامًا يحدث في عيد الفصح، والهالوين وأزيائه التنكرية.

https://www.youtube.com/watch?v=qMRtp1ipFbQ

والخطر كل الخطر في اقتران هذه المشاهد المكررة، مع ما وصلت إليه حالنا من ولع بتقليد الثقافة الغربية، وزخم حضور أشجار عيد الميلاد في المحلات والمطاعم وانتشار ملابس بابا نويل، والحفلات التي تُقام سنويًا لإحيائه، والملايين التي تُصرف على الألعاب النارية احتفالًا به تحت دعوى “حفلة رأس السنة”. كيف يقاوم طفلٌ يميل إلى المرح والاحتفال والألعاب كل هذا وهو يُعرض عليه صباح مساء، وتملأ إعلانات التهنئة به شاشات التلفزيون؟!

الأزياء والحجاب

وعن الأزياء والحجاب فحدث ولا حرج، إذ تُعدم تمامًا أية مشاهد لبطلات في أفلام الكرتون ترتدي حجابًا، بل جميعهن يرتدين ملابس غير لائقة لأن ترتديها مسلمة، حتى وإن غطت شعرها. ولا ألوم أفلام الكرتون على ذلك، فهم ينقلون ثقافتهم، لكنّ اللوم على من ينقل تلك الأفلام بثقافتها وسياقها الاجتماعي إلينا. فتكبر الفتاة وتجد بينها وبين الحجاب حاجزًا، ففي طفولتها تريد فستان سندريلا؛ فيُحقَّق لها طلبها ويثني الجميع على الفستان. وعندما تخبر الأمُ ابنتها بأن تبدأ في تغيير شكل ملابسها وترتدي حجابًا، تأبى الفتاة، أو في أفضل حال لا ترتاح؛ لأنها اعتادت على بطلاتها يرتدين هذه الملابس، ولم يكن لدى الأهل مانع أو تعليق على أن ملابس البطلات في أفلام الكرتون لا تصح أن ترتديها مسلمة.

المخاطر الأخلاقية

وعن المخاطر الأخلاقية في أفلام الكرتون وقنوات الأطفال، فالأمر لا بد وأنه مُلاحظ من قِبل الأهل، فجميع أفلام الكرتون تقوم على الصداقة بين فتاة وصبي، كعدنان ولينا، بل والعيش معًا. ويعاني خبراء التربية والعاملين بالتدريس من آثار هذا الآن، لا سيما في المدارس المختلطة. هذا غير المشاهد المُخِلّة التي يشاهدها الأطفال، فضلًا عن فكرة بعض أفلام الكارتون القائمة على ما يُستحى منه، كفيلم قُبلة الضفدع، وأميرات ديزني، وشريك والأميرة فيونا، والجميلة والوحش.

المخاطر السلوكية

العنف

العنف هو من أبرز سمات أفلام الكرتون، والتي تؤثر بشكل سلبي على سلوك الأطفال. فالأطفال الذين يشاهدون العنف باستمرار لا شك وأنهم سيكونون أكثر عرضة لتقليد ما يرون، فالطفل الذي يشاهد الأبطال يطيرون ويقفزون ويتنقلون بكل خِفة من هذا الجبل إلى ذاك المنحدر دون أي إصابة تُذكر، لا بد وأن يُقدِم على تقليد ما يرى.

ومع اعتياد الأطفال لرؤية الأبطال لا يُصابون، يعتقد الأطفال أنه لا أحد يتأذى أو يشعر بالألم، فيحاول تقمص ما يراه ويحيله لواقع عملي، ولو حتى تسبب في إيذاء أخيه الأصغر، أو صديقه في المدرسة، فينهال عليه ضربًا مع أي شجار؛ فكرتون توم آند جيري أكثر أفلام الكرتون مشاهدة لدى الصغار، كل حلقاته عنف وتدمير ومطاردات، دون أن يتأذى أي منهما –في الغالب-، كذلك رود رانر والنمر المقنع والقناص وسلاحف النينجا.

المخاطر الصحية والاجتماعية

من الواضح أنه لا يوجد شيء جيد في الجلوس طوال اليوم أمام التلفزيون ومشاهدة أفلام الكرتون، لما تتركه من تأثيرات سلبية على أطفالنا، فالجلوس لساعات أمام شاشة مضيئة لا يمكن أن يؤدي فقط إلى ضعف نظر الأطفال، أو تقوس العمود الفقري، بل إن عدم وجود النشاط البدني يخلق أيضًا مشاكل مع السمنة بسبب قلة الحركة والأنشطة البدنية، كذلك يؤدي إلى نقص التغذية بسبب العادات الغذائية السيئة من تناول الطعام أثناء مشاهد التلفزيون، وتناول وجبات سريعة متأثرين بأفلام الكرتون والإعلانات.

كذلك يُعدّ قضاء الكثير من الوقت أمام أفلام الكرتون هو أحد الأسباب الجذرية للعزلة وعدم الاكتراث لدى الأطفال، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب مدمرة، ويؤدي إلى انسحاب الأطفال من الأسرة، أو عدم التواصل أو العدوانية والتمركز حول الذات.

فمما لا شكّ فيه أن إدمان أفلام الكرتون سيؤثر على الحياة الاجتماعية للأطفال، فهم لن يكونوا مهتمين باللعب مع الأطفال الآخرين من نفس أعمارهم، وهذا سيجعلهم في النهاية معزولين؛ ما يُعرّضهم إلى المشاكل في مستقبلهم عندما يضطرون إلى الاختلاط مع المجتمع. هذا ناهيك عن انخفاض التحصيل الدراسي والقضاء على نشاط الطفل وهواياته.

ماذا يمكننا أن نفعل؟

فلنعترف أولًا أن المشكلة تكمن في عدم امتلاك الآباء والأمهات أوقاتًا لأبنائهم، ومن ثمّ إجبار الأطفال على الاتجاه إلى وسائل التسلية من كرتون وألعاب فيديو وغيرها الكثير من الأمور التي تكون معهم كأم وأب بديلين. والمشكلة الأكبر أن الآباء لا ينتبهون لنوع المحتوى المعروض لأبنائهم، وحتى وإن انتبهوا فإن ضعف الإنتاج المرئي الذي يُراعى فيه البُعد الإسلامي يقلل خياراتهم فيما يتعلق بالحلول الأيسر للتخلص من شغب الأطفال وحركتهم الزائدة.

لذا كان من الواجب أولًا على الأسرة: متابعة أفلام الكرتون التي يشاهدها الأبناء قبل إلقاء الأطفال إليها تُعلمهم كما شاءت، كذلك يجب أن يكون لدى الأطفال أسلوب حياة متوازن في كل ما يفعلون، بما في ذلك مشاهدة الرسوم المتحركة، ما يوجب على الآباء التحكم والحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة التلفزيون أو استخدام الكمبيوتر لمدة ساعة كحد أقصى في اليوم.

كذلك يجب على المجتمع تبني مشاريع إنتاج مواد كرتونية ذات جودة عالية، وبُعدٍ ديني وقيمي وأخلاقي، وفيها إبهار وتشويق وحبكة وتسلية وأخلاق. فهذه لا تقل بحال عن مواقع ومنصات صناعة الوعي، فإذا لم يكن الاهتمام بالنشء، فلا تنتظر مستقبلًا أفضل مما نعيشه.

مسؤوليتك، فلا تُضيّعهم

إن هؤلاء الأطفال أمانة وضعها الله في أعناق آبائهم، وسيُسألون عنها أمام الله. وتركهم فريسة لقنوات الأطفال وأفلام الكرتون يؤدي إلى خلخلة أساسات البناء القيمي؛ نظرًا لطبيعة أفلام الكرتون المأخوذة من سياق تاريخي وثقافي وقيمي وديني مختلف. لذا يجب على الوالدين السعي الحثيث للبحث عن بدائل لأطفالهم تناسب أعمارهم، وقدراتهم ومهاراتهم، وضبط حياتهم واستغلال ساعات التصفح ووسائل التواصل الاجتماعي في الاستثمار في الأبناء، فما المانع من تعويد الأبناء على ممارسة الرياضات البدنية والذهنية والبرمجة وأساسيات العلوم والفنون وحفظ القرآن والسُنة، وتعليمهم أصول دينهم؟ فإما هذا، وإما أن نستيقظ وقد رعت الذئاب الغنم!

المصادر

مي محمد

طالبة علم، أرجو أن أكون مِن الذين تُسدُّ بهم الثغور.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى