الخلافة الراشدة على منهاج النبوة

يقول الله تبارك وتعالى:﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾سورة الأعراف.

والمقصود بالقصص أي التاريخ ـ لعلهم يتعظون ـ فالتاريخ عبرةٌ لمن يعتبر والذي لا يقرأ ماضي المسلمين لن يعرف ما هو مستقبلهم ولا يعرف كيف يتصرف في الحاضر. كما نرى الآن، الواقع في ساحة العالم الإسلامي سواء في سوريا أو غيرها هو واقع مؤلم. فهو عبارة عن جماعات وأحزاب وتنظيمات وشعارات والكل يقول نحن نمثل الإسلام. وكثير من المسلمين لا يعرفون أين شاطئ النجاة أو بالأحرى ماهي الجماعة التي تمثل الإسلام النقي في عهد النبي وصحابته. لا أحد يعرف لماذا ؟

الجواب: هو أننا لا نقرأ التاريخ وفي هذا الموضوع إن شاء الله سنتناول نبذة عن تاريخ هام جدًا وهو تاريخ يعتبر شرف لكل مسلم أن يعرفه ألا وهو تاريخ الخلفاء الراشدين (أبو بكر ـ عمر ـ عثمان ـ علي) رضي الله عنهم أجمعين.

أولاً: الخلافة الراشدة مدتها كما حددها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون سنة وهذا من دلائل النبوة.

فقد ثبت في سنن أبي داوود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الخلافة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، يعني بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بثلاثين سنة (11هـ/41هـ) تكون نهاية الخلافة الراشدة ثم يؤتي الله حكمه من يشاء أي حكم الملوك وهو حكم توريث السلطة.

الخليفة الأول للمسلمين: أبو بكر الصدِّيق

بعد موت النبي مباشرة، ماذا فعل الصحابة؟ هل أخذوا السيوف وذهبوا للقتال؟ أم دخلوا المساجد يقرأون ويتعلمون؟ لا بل كان أول شيء فعلوه هو أنهم اجتمعوا ليختاروا رجلًا واحدًا ليقود المسلمين. إمام للمسلمين وخليفة لهم وهو أمر هام جدا يدل على أن الصحابة أهم مبدأ عندهم هو عدم التنازع لأن معنى اختيار خليفة للمسلمين هو أن يكون للمسلمين قائد واحد فلا يكون هناك مجالاً للاختلاف والتفرق.

وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار رجل يقود المسلمين وكان هذا الرجل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه. إذن الصحابة لم يكونوا جماعات وأحزاب وفرق وتنظيمات بل لم يكن هذا المفهوم عندهم البتة وإنما كانوا يؤمنون أن الإسلام يوصي أن اجتماع المسلمين يكون تحت قيادة رجل واحد.

كما هو معروف فسيرة أبو بكر الصديق تدل على أنه رجل يريد نصرة الإسلام والمسلمين وقد شهدت فترة توليه الخلافة الفتوحات رغم أنه ابتُلي ببلاء شديد وهو أن كثيراً من العرب الذين دخلوا في الإسلام في عهد النبي صلى عليه وسلم ارتدوا وخرجوا عن ملة الإسلام

 فما كان سبب هذه الردة؟

إن طبيعة العرب-غالباً-طبيعة ترتبط برمز قائد فعندما مات الرمز القائد وهو النبي صلى الله عليه وسلم ـرمز العرب والمسلمين كثير من الناس ارتد، وهذه هي مشكلة العرب إذ أنهم يتعلقون برمز حتى إذا مات لا يمكن أن يجتمعوا بعده إلا من رحم الله.

قرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه قتال المرتدين الذين خرجوا عن دين الله عز وجل وما جامل أحداً في دين الله عز وجل فقاتل العرب الذين خرجوا عن دين الإسلام، وقاتل أيضاً مانعي الزكاة الذين امتنعوا عن دفع الزكاة بحجة أن النبي توفي وهو الرجل الوحيد الذي تدفع أموال الزكاة له، فقاتلهم حتى نصره الله عز وجل عليهم وسيطر على جزيرة العرب واستتب حكم الإسلام فيها.

فهل اكتفى بجزيرة العرب فقط؟ لا… فالإسلام لا يعترف بالحدود، فدين الله عز وجل يأمرنا بإقامة شريعة الله على كل أرض تكون تحت راية الإسلام والمسلمين. فليس في مفهوم الإسلام حدود أو أماكن محددة لا يمكن تجاوزها؛ فكل أرض من الإمكان الوصول إليها وجب أن يقام فيها شريعة الله عز وجل بالعدل والإحسان والرحمة.

هذه هي شريعة الله عز وجل وهذا ما فعله الصحابة فقد بدأوا تحت إمارة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ينتشرون لتبليغ دين الإسلام وطالت الفتوحات الشام وبلاد الفرس وكانت أشهر الفتوحات في عهد أبي بكر الصديق فتح بلاد الشام في معركة مشهورة جداً وهي (معركة اليرموك ) التي انتصر فيها المسلمون على الروم وهي من المعارك المميزة في تاريخ المسلمين.

هل تعرف ما يميز اليرموك؟

كانت أول نصر كبير للمسلمين على الروم، فقد كانت الروم أكبر قوة عظمى وما كان العرب يتجرؤون حتى على محاولة قتال الروم فكانت معركة اليرموك هي أول نصر للإسلام والمسلمين على الروم.

بدأ الإسلام ينتشر وتزداد مساحته شيئاً فشيئاً في عهد أبي بكر الصديق وكل هذا بفضل تمسك الصحابة بدين الله عز وجل لكن الفتوحات الكثيرة والأقوى تأثيراً كانت في عهد عمر وهو الخليفة الثاني الذي تولى الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

الخليفة الثاني للمسلمين: عمر بن الخطاب

استطاعت الخلافة الراشدة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تُسقِط مملكة الفرس والتي كانت بمثابة القوى العظمى الثانية في العالم آنذاك وكان ذلك في الموقعة المشهورة موقعة القادسية والتي تم فيها القضاء على الفرس. أيضا في عهد عمر رضي الله عنه توسعت الفتوحات الإسلامية وطالت مصر وشمال إفريقيا والشام وتمت السيطرة على الشام تماماً من قبل الصحابة رضوان الله عليهم. هنا يطرح السؤال نفسه:

ما سبب كل هذه الفتوحات وما سبب كل هذا النصر المجيد؟

الذي يتابع الأحداث يجد أن السبب واضح وصريح إذ أن المسلمين لمَّا تمسكوا بدينهم وعملوا بأوامر ربهم وأوامر نبيهم صلى الله عليه وسلم مكّن لهم الله عز وجل في الأرض…. إذاً فبماذا يكون التمكين والنصر في مفهوم الإسلام؟

كما ذكرنا فإنه يكون بالعمل بشريعة الله عز وجل:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ﴾.

لذلك فقد كان الصحابة في فترة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أصحاب إيمان قوي جداً وعملوا بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم والتزموا بها فأكرمهم الله بنصر عظيم على أكبر قوتين في ذلك الوقت رغم قلة المسلمين… فكان جزء من المسلمين يقاتل الفرس والجزء الآخر يقاتل الروم في نفس الوقت وهو أمر عجيب حقاً وهذا إن دل فإنه يدل على قوة إيمان الصحابة، وتمسكهم بدينهم، والعمل له.

أما الآن فللأسف فالصراع على المناصب والدنيا وحب الإمارة والسلطة، وهذا ليس فقط في سوريا إنما شمل غالب ساحة العالم الإسلامي وهذا الذي دمر الساحة لذلك لا نستغرب أن أعدائنا تسلطوا على بلاد المسلمين وهم الآن يذلوننا ذلاً لا يعلمه إلا الله عز وجل.

سقوط فارس

نواصل الحديث، في عهد عمر بن الخطاب كما سبق وذكرنا فإن الفتوحات الإسلامية توسعت وأطاحت بفارس وهي المرة الأولى التي هزم فيها الفرس بشكل نهائي في التاريخ فلأول مرة تسقط فارس وعاصمتها تماما.

فلما سقطت فارس ما الذي حدث؟ الفرس كما ذكر العلماء قديماً من الأمم التي عندها ذكاء عالٍ جداً وهي أمة منظمة لذلك لهم حضارة قبل الإسلام، فأرادت الفرس أن تهدم الإسلام بالحيلة والمكر حينما عجزت عن القتال وكانوا ينظرون إلى العرب على أنهم أقل الأمم وأفقر الأمم بالنسبة لهم، الفرس لا تحترم فقط إلا الروم لكن ينظرون إلى العرب كأمة حقيرة فكيف لهؤلاء العرب الحفاة العراة أصحاب الإبل أن ينتصروا عليهم؟

خطة فارس للقضاء على دولة المسلمين

فقرروا خطة عجيبة وهي أول خطة استخباراتية قوية جدا، فالمخابرات هي علم قديم متوارث إلى الآن فكانت أول خطوة قام بها الفرس هي أن اغتالت عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما دوّن ذلك بعض الباحثين والمؤرخين الإسلاميين إذ أن عمر قتل على يد أبى لؤلؤة المجوسي الذي كان يمثل شخصية عميل للمخابرات الفارسية تم زرعه في المدينة المنورة عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك.

كما هو معلوم في علم المخابرات فإن الموكل بالمهمة الاستخباراتية لا يظهر نفسه أبداً فكان أبو لؤلؤة المجوسي يعمل كرجل بسيط حرفي ومن ينظر له يظنه رجل مسكين لكنه في الحقيقة تابع للنظام والحكم الفارسي، وظل مزروعا في المدينة إلى أن صدرت له الأوامر بقتل رأس الإسلام والمسلمين (الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه).

اغتيال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-

فأعدّ المجوسي لذلك خنجراً مسموماً واختار وقتاً محدداً وهو وقت الفجر، دخل هذا الرجل المسجد في صلاة الصبح وانتظر أن يتقدم عمر بن الخطاب لإمامة الصحابة للصلاة وما أن كبّر عمر للصلاة حتى هجم عليه وطعنه عدة طعنات وكانت أقوى الطعنات تحت السرة وهي التي قضت عليه فصاح عمر قائلاً: أكلني الكلب أو قال عضّني الكلب يقصد أبو لؤلؤة المجوسي، ولما تمكن الصحابة من الإمساك به أراد أن يموت السر معه فقتل نفسه.

إذاً فإن أبا لؤلؤة المجوسي كان أول خطة من الفرس للقضاء على خلافة الإسلام والمسلمين ثم بعدها قام رجال منهم بإظهار أنهم مسلمون وبعدها نشروا المناهج والعقائد المنحرفة بين أهل الإسلام مثل (التشيع والإسماعيلية والقرامطة وغيرها…) كما ذكر ذلك الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه الفصل.

نتابع في المقال القادم دولة الخلافة الإسلامية في عهد عثمان وعلي-رضي الله عنهما-، وما حيك لهما من مكائد، فكونوا بالقرب.


مراجع لمن أراد الزيادة والتوسع:

  • البداية والنهاية لابن كثير.
  • الدروس الصوتية في التاريخ الدكتور راغب السرجانى

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى