مراجعة كتاب.. ما وراء الديمقراطية

صدر كتاب “ما وراء الديمقراطية” للكاتبين فرانك كارستن وكارل بيكمان في عام 2012م، وترجمه حديثًا أنور عدنان بعد 8 سنوات من نشره.

الكتاب الذي عرض فكرته الرئيسية بعبارة “لماذا لا تؤدي الديمقراطية إلى الوحدة والرفاهية والحرية بل إلى عدم الاستقرار والصرف غير المسيطر عليه وحكومة استبدادية” شمل عبر أكثر من 100 صفحة: تمهيدًا ومقدمة وفقرة بعنوان الديمقراطية: التابو الأخير، وأخرى عن الإيمان الديمقراطي، ثم تضمن الفصل الأول 13 خرافة من خرافات الديمقراطية، بينما تناول الفصل الثاني أزمة الديمقراطية، وخطاياها، وفقرة بعنوان لماذا تسوء الأمور باستمرار؟ وأخرى بعنوان: لماذا نحتاج إلى ديمقراطية أقل.

وفي الفصل الثالث عرض الكاتبان أفكارهما البديلة عن الديمقراطية تحت عنوان: نحو نموذج سياسي جديد، وعنوان آخر: اللامركزية في سويسرا، واختار الكاتبان الخاتمة تحت عنوان: مستقبل مشرق.

التمهيد

ما وراء الديمقراطية

أشار الكاتبان في مطلع كتابهما إلى أن نقد الديمقراطية كما يحصل في هذا الكتاب قد يبدو للناس أمرًا غير منطقي بل وضربًا من الجنون. وفي الواقع هذا رد فعل طبيعي، فبعد سقوط الشيوعية ثم الاحتفال بالديمقراطية على أنها البديل الصحيح، وتلهف المضطهدون حول العالم لمزيد من الحرية والديمقراطية، فمن يجرؤ على الحديث ضدها؟

وأكد الكاتبان على أن انتقادهما للديمقراطية بشدة لا يعني أن البديل هو الديكتاتورية وحرمان الناس العيش في ظل نظام سياسي ينعمون معه بالحرية، كما أن المشاكل التي يعرضها الكاتبان في هذا الكتاب ليست بالضرورة خاصة بالديمقراطية فقط.

لذلك يشرح الكاتبان في هذا الطرح المشاكل الجذرية في الديمقراطية البرلمانية وأن المبادئ والمحركات في هذا النظام المشاد به بصورة كبيرة لا تؤدي إلى النتائج المطلوبة هذه الأيام.

والدليل على ذلك الأزمات التي تصاعدت في العديد من الدول الديمقراطية. خاصة في الولايات المتحدة واليونان وإسبانيا، حيث أن هذه المشاكل لا يتم تفسيرها بالنظام الديمقراطي نفسه بل بالسوق الحر أو انعدام الديمقراطية أو المصرفيين الجشعين أو السياسيين الخونة.

وأوضح الكاتبان إلى أن هذه نتيجة طبيعية فجميعنا وقعنا ضحية النظام التعليمي والإعلام وسياسيينا الذين رسخوا بيننا مفهوم أن الديمقراطية هي شيء يجب أن يُعتز به ويتكاثر، وأنه ليس هناك بديل عقلاني له، لكن بعد دراستها والتفكر بها، توصل الكاتبان إلى استنتاج مختلف تمامًا عما ترسّخ لدى الناس.

كتاب “ما وراء الديمقراطية” ينقض مفاهيم الديمقراطية، ويؤكد على أنها نقيض الحرية فمن ملازمات الديمقراطية أنها تميل إلى مقدار أقل من الحرية وليس العكس. وهو أمر لا يمكن استدراكه أو إصلاحه لأن الديمقراطية نظام جمعي معطوب بصورة متأصلة كما هو الحال مع الاشتراكية.

وليست أول مرة يطرح فيها مثل هذه الأفكار غير المألوفة والفريدة من نوعها بشأن الديمقراطية فقد سبق وأن طرح هانز هيرمان هوب،كتابًا أكاديميًا بعنوان: “الديمقراطية الإله الذي فشل”، إضافة إلى بضعة مقالات قليلة جدًا، كُتبت حول هذا الموضوع، لكن بحسب الكاتبان ليس هناك كتاب موجز ومنظم وسهل القراءة يظهر نقاط الضعف الملازمة لمحركات الديمقراطية من منظور ليبرتاري محب للحرية مثل هذا الكتاب الذي جاء في أفضل وقت نظرًا لما تعانيه الكثير من الديمقراطيات من مشاكل اجتماعية واقتصادية يبحث لها الناس تفسيرات وحلول.

ويقول الكاتبان أن هذا الكتاب لا يلقي باللوم على السياسيين بل يلقي باللوم على النظام الديمقراطي نفسه. إذ أنه لا يمكن انتقاد السياسيين وقد تم انتخابهم. ومن الطبيعي أن يتصرفوا بقصور، فهم يعلمون أنهم في السلطة مؤقتًا لذلك يتصرفون بجشع، فيفرضون الضرائب بشكل زائد، ويقترضون الأموال أيضًا بشكل زائد، مدركين تمامًا أن من يخلفهم من أجيال هم من سيدفع الفواتير في المستقبل.

ثم هم يصرفون أموال الآخرين وليست أموالهم الخاصة، فماذا نتوقع منهم؟ وتساءل الكاتبان هل كنت لتتصرف بشكل أفضل في الكونجرس؟ والجواب: أشك في ذلك.

مقدمة

في المقدمة تناول الكاتبان تحت عنوان جانبي: “الديمقراطية التابو الأخير”، انتقادهما لمقولة: “إذا كانت هناك أي أمراض تعاني منها الديمقراطية اليوم فإنه يمكن فقط الشفاء منها بمزيد من الديمقراطية”.

ويناقش الكاتبان في هذا القسم كيف يرفض الكثيرون الاعتراف بأن النظام الديمقراطي البرلماني في أزمة. رغم أنهم غير راضين ومنقسمين بصورة عميقة، حيث يشتكي السياسيون أن المصوتين يتصرفون كأطفال مدللين، ويشتكي المواطنون من أن السياسيين مصابون بالصمم أمام رغباتهم. بل أصبحوا متلونين يغيرون انتماءاتهم من حزب سياسي إلى آخر بصورة روتينية، ويشعرون بالانجذاب إلى أحزاب راديكالية وشعبوية بصورة متزايدة.

أما الأحزاب فليس لديها إجابات وهي غير قادرة على تطوير بدائل حقيقية. أصحابها عالقون في هياكل حزبية صارمة مثالياتهم مسيطر عليها من مجاميع المصلحة الخاصة واللوبيات.

وفي نفس الوقت تقوم الحكومات الديمقراطية بعمل سيئ في تنفيذ ما يعتبره الكثيرون مهمتها الأكثر أهمية -المحافظة على القانون والنظام-، فالجريمة والتخريب غير مسيطر عليهما، والشرطة ونظام العدالة لا يمكن الوثوق فيهما، وغالبًا ما يكونان فاسدين بصورة كاملة.

الإيمان الديمقراطي

رغم أن أزمة الديمقراطية معترف بها بصورة واسعة لا يوجد نقد للنظام الديمقراطي نفسه على وجه التقريب بحسب الكتاب. وفي الحقيقة فإن انتقاد فكرة الديمقراطية هي إلى حد ما محرمة في المجتمعات الغربية. ليس من المبالغة أن نقول أن الديمقراطية أصبحت دينًا، دينًا علمانيًا حديثًا كما لخص ذلك الكاتبان.

ويمكنك أن تطلق عليها “الدين الأكبر في العالم” فالله والكنيسة تم استبدالهما بالدولة كأب مقدس للمجتمع والانتخابات هي الطقوس التي نصلي بها للدولة للحصول على التوظيف والسكن والصحة والأمن والتعليم.

ويرى الكتابان أن “العقول الشريرة جدًا” فقط هي التي تجرؤ على الحديث ضد فكرة مقدسة كهذه كما هو واضح، مشيرًا بين قوسين إلى “الإرهابيين والأصوليين والشيوعيين”.

الديمقراطية – الجمعية

وتحت عنوان الديمقراطية الجمعية، أكد الكاتبان على أن الديمقراطية البرلمانية تمتلك عقبات أكثر بكثير من ميزاتها. فهي غير عادلة تؤدي إلى البيروقراطية والجمود، وتقوّض الحرية والاستقلال والمشاريع، وتؤدي بالضرورة إلى الخصومة والتدخل والخمول والصرف الزائد، والأمر ليس كذلك لأن سياسيين معينين يفشلون في تأدية وظائفهم، أو لأن الحزب الخطأ في السلطة، بل لأن “هكذا يعمل النظام”.

وناقش الكاتبان كيف أن الديمقراطية بالتعريف هي نظام جمعي، أي أنها اشتراكية من الباب الخلفي. وبعبارة أخرى في الديمقراطيات كل بنية المجتمع معدة باتجاه الدولة.

كما ناقش الكاتبان خلاصة أن الحرية ليست نفسها الديمقراطية، وعرضا الأمثلة على ذلك. والبدائل الوحيدة التي يستطيع الناس تخيلها بحسب الكتاب هي أشكال من الدكتاتورية مثل النموذج الصيني أو شكل من أشكال القومية أو الأصولية.

لكن الديمقراطية لا تعني الحرية، إنها فقط بنفس المقدار، شكل من أشكال الدكتاتورية دكتاتورية الأغلبية والدولة. وليست هي مترادفة مع العدالة أو المساواة أو الوحدة أو السلام كما يؤكد الكاتبان.

الفصل الأول: خرافات الديمقراطية

الخرافة 1: كل صوت محسوب

تناول في ذلك الكاتبان كيف تحث الطبقة الحاكمة الناس على التصويت بصورة مستمرة، على أساس أنه التزام أخلاقي يضمن الحقوق، لكن ما يهمهم حقيقة الأمر هو أن نسبة تصويت عالية تعطيهم ختم الموافقة حقًا أخلاقيًا بأن يحكموا الناس.

وأشار إلى أن هنالك قسم من الناس يرفضون أن يصدقوا وهم التأثير الذي تبيعه الديمقراطية، أما من لا يزال مغرمًا بالديمقراطية فيصفهم الكتاب بإنهم يعانون متلازمة ستوكهولم، “لقد أصبحوا يحبون سجانيهم بدون أن يدركوا أنهم يتبادلون استقلالهم بالسلطة التي يملكها السياسيون والمدراء عليهم”.

الخرافة 2: الشعب يحكم في الديمقراطية، هل حقًا يحكم الشعب في الديمقراطية؟

ويوضح الكتاب بأن المشكلة الأولى هي أن الشعب غير موجود، وهنالك فقط ملايين من الأفراد بنفس العدد من الآراء والمصالح، كيف يستطيعون أن يحكموا سويًا؟ إنه أمر مستحيل. ثم ليس الشعب الذي يقرر في الديمقراطية بل أغلبية الناس. ويبدو أن الأقلية لا تنتمي للشعب.

والديمقراطية نوعان: مباشرة وغير مباشرة (تمثيلية).

في المباشرة الكل يصوت على كل قرار يتخذ كما في حالة الاستفتاء، أما في غير المباشرة فيصوت الناس لأناس آخرين يتخذون قرارات بدلًا عنهم لاحقًا. وناقش الكاتبان في هذه الفقرة حجج الديمقراطية غير المباشرة لنقضها.

وأوضح الكتاب أن إرادة الناس ليست التي تحكم في الديمقراطية بل إرادة السياسيين محكومة بمجاميع ضغط محترفة وجماعات المصالح والنشطاء هي التي تحكم، شركات النفط الكبرى وشركات الزراعة الكبرى وشركات الأدوية الكبيرة والرعاية الصحية الكبرى والمجمع الصناعي العسكري وول ستريت كل هؤلاء يعرفون كيف يستميلون النظام لصالحهم.

ونخبة صغيرة تتخذ القرارات، غالبًا خلف الكواليس غير مهتمين لما يريده الشعب.

والخرافة الأخرى التي وصفها الكتاب هي أنه غالبًا ما يقال أن الديمقراطية تعتبر طريقة جيدة لتحديد سلطة الحكام، لكن في الحقيقة، الحكام يستطيعون أن يفعلوا كل شيء يريدونه.

الخرافة 3: الأغلبية على حق

يشرح الكتاب كيف أنه من الصعب رؤية كيف تؤدي العملية الديمقراطية بالضرورة إلى نتائج جيدة أو صحيحة. فكون الكثير من الناس يؤمنون بشيء، هذا لا يجعله صحيحًا. وهنالك الكثير من الأمثلة في الماضي عن الأوهام الجماعية، على سبيل المثال لا يصبح الأمر عادلًا أو صحيحًا أخلاقيًا فقط لأن الكثير من الناس معه كما يوضح الكاتبان.

والحقيقة المخجلة هي أن الناس على الأغلب يكونون في جانب الديمقراطية لأنهم يأملون أو يتوقعون أن يكونوا في جانب الأغلبية حيث يستطيعون الاستفادة من نهب ثروات الآخرين. وفي الديمقراطية الاعتبارات الأخلاقية تتغلب عليها إرادة الأغلبية، العدد يتغلب على الجودة، عدد الناس الذين يرغبون بشيء ما ينقض اعتبارات الأخلاق والعقلانية.

ونقل الكتاب قولًا للكاتب والسياسي البريطاني أوبيرون هيربيرت من القرن 19، يصف منطق وأخلاق الديمقراطية حيث يقول: “خمسة أشخاص في غرفة، لأن ثلاثة أشخاص لديهم وجهة نظر واثنين لديهم وجهة نظر أخرى، هل يمتلك الأشخاص الثلاثة أي حق أخلاقي لأن يفرضوا وجهة نظرهم على الاثنين الآخرين؟
ما هي القوة السحرية التي تأتي إلى الأشخاص الثلاثة بحيث لكونهم أكثر عددًا بشخص واحد من الاثنين الآخرين، ولذلك فجأة يصبحون ملاك عقول وأجساد هؤلاء الآخرين؟ طالما كانوا اثنين مقابل اثنين، لفترة طويلة قد نعتقد أن كل شخص بقى سيدًا لعقله وجسده، لكن من اللحظة التي يقوم بها شخص متصرفًا السماء وحدها تعرب بأي دافع، بالانضمام إلى أحد الأطراف أو الآخر، ذلك الطرف يصبح فجأة مالك لأرواح وأجساد الطرف الآخر”.

هل كان هناك على الإطلاق خرافة مهينة وغير مبررة بهذا الشكل؟!.

الخرافة 4: الديمقراطية محايدة سياسيًا

على عكس ما يبدو عليه الأمر مع الديمقراطية في الواقع تتبنى الديمقراطية اتجاهًا سياسيًا معينًا. وإذا أرادت الأغلبية (أو بالأحرى الحكومة) فإنهم يستطيعون أن يقرروا أننا جميعًا يجب أن نرتدي سراجًا عندما نمشي في الشارع لأن ذلك أكثر أمانًا، أو أن نلبس مثل المهرجين لأن ذلك يجعل الناس تضحك.

لذلك يؤكد الكتاب على أنه لا توجد حرية فردية مقدسة، مما يجعل الباب مفتوحًا لتدخل الحكومة المتزايد بشكل دائم. وفي الواقع فإن التطفل الحكومي المتزايد دائمًا هو بالضبط ما يحصل في المجتمعات الديمقراطية.

باختصار، الديمقراطية في الواقع ليست محايدة سياسيًا، هذا النظام هو جمعي بطبيعته ويؤدي إلى تدخل حكومي أكثر وأكثر وحرية فردية أقل وأقل. وفي الحقيقة كما يوضح الكتاب، الديمقراطية في جوهرها أيديولوجيا شمولية، لا يوجد حرية مقدسة في الديمقراطية، كل ناحية في حياة الفرد هي معرضة لسيطرة الحكومة. وفي النهاية الأقلية هي كليًا تحت رحمة نزوات الأغلبية.

وحتى الدستور يمكن تعديله من قبل الأغلبية، الحق الأساسي الوحيد الذي تملكه في الديمقراطية إلى جانب الترشيح لمنصب، هو حق التصويت لحزب سياسي، بصوت واحد تسلم استقلالك وحريتك إلى إرادة الأغلبية. ويصل الكتاب إلى حقيقة أن مع الديمقراطية يجب أن تشتري ما اختاره الأغلبية سواء أحببت ذلك أو لم تحب.

الخرافة 5: الديمقراطية تؤدي إلى الازدهار

يعرض الكتاب الحقيقة في أن الدول الغربية ليست مزدهرة بسبب الديمقراطية بل هي مزدهرة بالرغم من الديمقراطية، ويعود ازدهارها إلى تقليد الليبرالية الذي يميز هذه البلدان.

وكنتيجة لذلك لا تملك الدولة السيطرة الكاملة على اقتصادها حتى الآن. ولكن هذا التقليد يتم إضعافه بصورة منتظمة من قبل الديمقراطية.

وناقش الكتاب في هذه الفقرة ما يسمى “تراجيديا المشاع”. وأوضح أن الديمقراطية تعمل بنفس الطريقة، فالمواطنون مشجعون على أن يحصلوا على امتيازات على حساب الآخرين أو على أن يمرروا أعباءهم للآخرين.

ويُنتخب السياسيون لكي يتلاعبوا بهذا النظام، فهم يديرون الأملاك العامة، ولا يملكونها لذلك لا حاجة لأن يكونوا اقتصاديين، بل على العكس يدفعهم ذلك للصرف بأكبر قدر ممكن لنيل المديح ويدفع حلفاءهم الفواتير.

فالأكثر أهمية بالنسبة إليهم من مصلحة البلد طويلة الأمد هو حاجتهم إلى إرضاء المصوتين.

أيضًا يدفعهم التفكير إلى أخذ أكبر مقدار ممكن طالما أصبحوا مسؤولين عن الخزائن العامة، ذلك أن بعد رحيلهم لا يمكنهم أن يغنوا أنفسهم. في هذا النظام الكارثي بحسب وصف الكاتبان، ديون الحكومات الضخمة هي نتيجة عجز الميزانيات الضخمة والذي -بدون مصادفة- تعاني منه كل البلدان الديمقراطية تقريبًا.

ويواصل الكاتبان: لكن العفن يمتد للعمق أكثر، فسياسيونا الديمقراطيون لا يجمعون الضرائب فقط ثم يضيعوها لاحقًا بل تمكنوا من تحقيق سيطرة على نظامنا المالي، من خلال البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي.

فالحكومات الديمقراطية تقرر ما الذي يمثل مالًا (العملة القانونية) وما هو مقدار المال الذي يتم صناعته ويتم ضخه للاقتصاد، وما مقدار معدل الفائدة. وفي نفس الوقت تقطع هذه الحكومات العلاقة التي كانت بين المال والورق والقيم الضمنية مثل الذهب. وبالتالي فإن كل الازدهارات المفاجئة يتبين لاحقًا أنها فقاعات تتلاشى عاجلًا أم آجلًا. وهذه الفقاعات تحدث فقط لأن الأسواق تم إغراقها بالديون السهلة وكل اللاعبين أمكنهم أن يحملوا الديون في جيوبهم.

لكن هذه الأطراف لا يمكن أن تستمر للأبد، فعندما يصبح من الواضح صعوبة إرجاع الديون، تنفجر الفقاعات وهكذا تحدث الركودات في الاقتصاد.

الخرافة 6: الديمقراطية ضرورية لضمان توزيع عادل للثروة ومساعدة الفقير

قدم الكتاب أمثلة عن الدول الديمقراطية بالأرقام لإثبات حقيقة هذه الخرافة، وكان الاستدلال بالأرقام والإحصاءات نقطة قوة في طرح الكاتبين، وضربا مثالًا بهولندا التي تعتبر دولة رفاه ديمقراطية تقليدية، حيث غرفة التخطيط الثقافي والاجتماعي (وهي وكالة حكومية) وصلت إلى استنتاج في تقرير منشور في أغسطس 2011، أن مجاميع الدخل المتوسط لسنة 2007 تحصل على مساعدات حكومية أقل من كل من مجاميع الدخل المتوسط والمرتفع، وفي الحقيقة وجد الباحثون أن مجاميع الدخل المرتفع تحصل على أكبر مقدار من مساعدات الحكومة!

والمفترض بحسب الكاتبان أننا نحتاج الديمقراطية لمساعدة الفقير بينما المحتاج هو ستار للمصلحة الشخصية للناس الذين ينتفعون من ماكينة إعادة التوزيع.

الخرافة 7: الديمقراطية ضرورية للعيش سوية بانسجام

في الواقع إذا جرى الكل وراء أهوائهم فقط، فإنكم لن تتمكنوا من العيش سوية، هكذا تقول المحاججة التي عرضها الكاتبان.

فآلية اتخاذ القرار الديمقراطي غالبًا ما تولد الصراعات، هذا لأن جميع أنواع القضايا الشخصية والاجتماعية يتم تحويلها إلى قرارات جماعية في الديمقراطية. وذلك من خلال إجبار الناس على الالتزام بالقرارات الديمقراطية، وبالتالي تؤدي الديمقراطية إلى علاقات عدائية بين الناس بدلًا من أن تكون وفاقية.

وأشار الكتاب إلى أن القادمين الجدد في السياسة الذين يُحتفى بهم في البداية كمنقذين دائمًا ما يخيبون آمال الناس في النهاية، ولا يوجد سياسي يستطيع أن يحقق المستحيل رغم حجم الوعود التي يقطعها في بدايته.

ونقل الكتاب قول الكاتب الأمريكي إتش أل مينكن حيث قال: “ما يثمنه الناس في هذا العالم ليس الحقوق، بل الأفضليات”. وأضاف:

الرغبة في إنقاذ البشرية هي تقريبًا في كل الحالات خداع في سبيل الرغبة بالحكم.

وأضاف الكتاب: “نحن” هي الكلمة المعتدى عليها بالمقدار الأكبر في الديمقراطية، مؤيدو خطوة ما دائمًا ما يقولون “نحن نريد شيئًا”، “نحن يجب أن نقوم بشيء ما”، “نحن نحتاج إلى شيء ما”، “نحن نملك الحق”، كما لو أن الجميع يوافقون بصورة طبيعية، وما يعنونه بذلك في الحقيقة هو أنهم يريدون ذلك لكن فقط لا يريدون أن يتحملوا المسؤولية بأنفسهم.

وضرب مثالًا على ذلك كيف أن الناس سيقولون: يجب أن نساعد العالم الثالث، أو يجب أن نحارب في أفغانستان، ولكنهم أبدًا لا يقولون: أنا ذاهب إلى مساعدة العالم الثالث من معي؟ أو أنا ذاهب إلى مقاتلة طالبان، لهذا الديمقراطية تقدم طريقة مناسبة لإلقاء المسؤولية الشخصية على الآخرين من خلال قول “نحن” بدلًا من “أنا” فـ 99.999% من عبء القرار يقع على عاتق الآخرين.

وما يسمى بالوحدة في الديمقراطية يوضح الكتاب، هو في النهاية مبني على القوة، لكن الوحدة الجبرية هي حقيقة شيء متناقض بذاته، لكي تكون الوحدة حقيقية فإنها يجب أن تتضمن عملًا تطوعيًا، لا تستطيع أن تقول أن شخصًا ما تم سرقته في الشارع، أظهر الوحدة مع السارق مهما كانت أهداف السارق نبيلة.

في الحقيقة -يلخص الكتاب- أولئك الذين يستخدمون النظام الديمقراطي لكي يفرضوا الوحدة يقومون بذلك لأنه لا يجب عليهم أن يدفعوا لذلك بأنفسهم. ويؤكد الكتاب على أنه لا يوجد تبرير لإجبار بقية الناس على أن يقوموا بنفس الشيء الذي تريده.

الخرافة 8: الديمقراطية لا مفر منها من أجل الإحساس بروح المجتمع

في الديمقراطية أي اختلاف في الرأي يؤدي إلى صراع من أجل السلطة والموارد مع ربح إحدى المجموعات على حساب الآخرين. فالكل يقدم مطالب للدولة والدولة تجبر المواطنين الآخرين على أن يلبوا هذه المطالب.

ويبين الكتاب أنه من الصعب أن يكون الأمر غير ذلك لأن الدولة بغض النظر عن أي شيء هي مجرد أداة للسلطة تعمل بالإكراه.

ونتيجة هذا النظام يصبح الناس مدللين، ويطالبون دومًا بالمزيد من حكامهم ويشتكون إذا لم يحصلوا على ما يريدون. وفي نفس الوقت فإنهم لا يملكون خيارًا سوى المشاركة في النظام. لأنهم إذا لم يقوموا بذلك سيتم انتزاع المال منهم بالقوة على يد بقية السكان.

بهذه الطريقة يقوض النظام اعتماد الناس على أنفسهم أي قدرتهم على إعالة أنفسهم. في نفس الوقت فإنه يقوض رغبة الناس  بمساعدة الآخرين، بما أنهم بالفعل مجبرين على أن يساعدوا الآخرين. وعقلية الناس اليوم أصبحت ديمقراطية جدًا، فلم يعودوا يدركون حتى كم أصبحت أفعالهم وأفكارهم لا اجتماعية.

ويطرح الكتاب السؤال: هل الديمقراطية ضرورية من أجل هكذا إحساس بالوحدة؟ والجواب: من الصعب أن نفهم لماذا.

فعندما تتحدث عن مجتمع ما فأنت تتحدث عما هو أكثر من نظام سياسي، يتشارك الناس مع بعضهم اللغة والثقافة والتاريخ، كل بلد لديه أبطاله التاريخيين ومشاهيره ونجومه الرياضيين وكذلك أدبه وقيمه الثقافية وقيمه الأخلاقية ونمط حياته، ولا واحدة من هذه مرتبط بالنظام الديمقراطي، كل ذلك تواجد  قبل أن يكون هناك ديمقراطية، ولا يوجد سبب للاعتقاد أن ذلك لا يستطيع أن يستمر بلا ديمقراطية.

وفي نفس الوقت لا يمتلك أي بلد ثقافة موحدة تمامًا، داخل كل بلد هنالك اختلافات كبيرة بين الناس. فهناك الكثير من المجتمعات المناطقية والإثنية التي لديها روابط قوية مشتركة ولا يوجد شيء خاطئ في ذلك أيضًا، فداخل إطار المجتمع الحر يمكن أن تتوجد كل هذه التكوينات الاجتماعية والتجمعات السوية.

والفرق بين هذه التجمعات الاجتماعية والديمقراطية هو أن الديمقراطية منظمة تكون العضوية فيها إجبارية. والتجمع الحقيقي يكون مبنيًا على الاشتراك الطوعي.

الخرافة 9: الديمقراطية تعني الحرية والتسامح

واحدة من الخرافات الأكثر استمرارًا حول الديمقراطية هي أنها نفس “الحرية”، فبالنسبة للكثير من الناس الحرية والديمقراطية يأتيان سوية كما النجوم والقمر، لكن في الحقيقة الحرية والديمقراطية متعاكستان، ففي الديمقراطية يجب أن يخضع الكل لقرارات الحكومة، كون الحكومة منتخبة من قبل الأغلبية، والإكراه هو الإكراه، سواء كان يُنفذ من قبل الأغلبية أو من قبل حاكم واحد.

ويوضح الكتاب أنه في الديمقراطية لا أحد يستطيع أن يهرب من القرارات المتخذة من قبل الحكومة. إذا لم تطع سيتم تغريمك، وإذا رفضت دفع الغرامة سينتهي بك المطاف في السجن، لا يوجد فرق بهذا المعنى لا يوجد فرق أساسي بين الديمقراطية والدكتاتورية.

والحرية يوضح الكتاب تعني أنه لا يجب عليك أن تقوم بما يريده غالبية نظرائك البشر، بل أن تستطيع أن تقرر بنفسك كما قال الاقتصادي جون تي فيندرز ذات مرة: “هنالك فرق بين الديمقراطية والحرية، الحرية لا تقاس بفرصة التصويت، بل يمكن قياسها بمدى ما لا نصوت عليه”.

وفي الديمقراطية لا يجب عليك أن تفعل ما تخبرك به الحكومة فقط بل تحتاج إلى رخصة من الحكومة من أجل أي شيء تفعله أنت أساسًا. وكل الحريات التي نملكها في الأمة الديمقراطية هي ممنوحة من قبل الدولة، وقد تأخذ منا في أي وقت.

القصد هو أنه لا يوجد شيء في النظام الديمقراطي بذاته أو في مبدأ الديمقراطية يضمن حقوق الأقليات. ومع ذلك فإن الكثير من الناس لا تريد التخلي عن هذه الحريات بالرغم من أن روح الحرية تتآكل بسبب التطفل الديمقراطي.

وسلط الكتاب الضوء على حقيقة أنه في أجزاء أخرى من العالم الناس أقل ارتباطًا بالحريات الشخصية، والعديد من الديمقراطيات اللاغربية لا تبالي بالحرية الفردية، وضرب الكتاب مثلا على انتخاب الفلسطينيين في قطاع غزة ديمقراطيا من وصفهم بـ”الأصوليين غير المحبين للحرية كثيرا” حماس، “والتي حينها ويا للسخرية، لم يتم قبولها من الولايات المتحدة والحكومات الديمقراطية الغربية الأخرى”، رغم أنها جاءت عن طريق الديمقراطية.

الخرافة 10: تشجيع الديمقراطية على السلام وتساعد في محاربة الفساد

يوضح الكاتبان أن الديمقراطيات غالبا ما تظهر على أنها دعوات حروب إلى حد كبير، فالولايات المتحدة الديمقراطية الأقوى في العالم، بدأت عشرات من الحروب، ونفذت الحكومة الأمريكية انقلابات عديدة وأسقطت حكومات ودعمت دكتاتوريين وأسقطت قنابل على مدنيين مسالمين، بل وحتى قنابل ذرية.

كما تمتلك الولايات المتحدة حاليًا قوات في أكثر من 700 قاعدة عسكرية في أكثر من 100 بلد منفقة على الدفاع بقدر بقية دول العالم مجتمعة تقريبًا.

وكذلك اخترعت “بريطانيا الديمقراطية” معسكرات الاعتقال (كما في جنوب إفريقيا) وكانت الدولة الأولى التي قمعت المعارضة القومية في مستعمراتها بواسطة القصف الجوي، مدمرة قرى كاملة (كما في العراق في العشرينات).

ونسخة أخرى من هذه الخرافة تدعي أن الديمقراطيات لا تبدأ حربا ضد بعضها، بينما في الحقيقة ومنذ الحرب العالمية الثانية عدد كبير من البلدان الغربية والتي تصادف كونها ديمقراطيات، كانت ولا تزال موحدة في حلف الناتو وتظهر رغبة قليلة في مهاجمة بعضها، لكن هذا لا يعني أن هذا مرتبط مع الديمقراطية أو أنه تاريخيًا كانت الديمقراطيات مسالمة تجاه بعضها.

وضرب الكتاب أمثلة للحروب وأوضح أن الديمقراطية لا تجلب بالضرورة شفافية أكثر أو تحمل مسؤولية، كما يتم الادعاء غالبًا.

وأوضح الكتاب أن في الواقع حقيقة أن السياسيين يحتاجون إلى الأصوات لكي يتم انتخابهم تشجع الفساد، إنهم يحتاجون إلى أن يفعلوا شيئًا من أجل ناخبيهم لكي يربحوا الأصوات. هذا النوع من الفساد منتشر في الولايات المتحدة بالذات، سياسة إغراء الناخبين.

فالسياسيون الأمريكيون على الأغلب لا يتوقفون عن فعل أي شيء لكي يحصلوا على التمويلات الفيدرالية أو البرامج لأجل ولاياتهم ومناطقهم بالإضافة إلى ذلك يميلون إلى أن يكونوا جنود شطرنج لمنظمات الضغط القوية، التي تزودهم بالمال من أجل حملاتهم الانتخابية المكلفة، بالإضافة إلى ذلك، الأبواب الدائرة في واشنطن أصبحت مشهورة، حيث ينتقل الأشخاص ذوي النفوذ من السياسة إلى عمل الأعمال أو الجيش وبالعكس بدون أي خجل.

وبلدان ديمقراطية أخرى تشهد أشكال مشابهة من الفاسد، بينما في الدول النامية تسير الديمقراطية تقريبا دائما يدًا بيد مع الفساد، ونفس الشيء ينطبق على بلدان مثل روسيا وإيطاليا وفرنسا واليونان، فالفساد تقريبًا لا مفر منه أينما ملكت الدولة الكثير من السلطة بغض النظر عن النظام السياسي، وهذا بالتأكيد يشمل الديمقراطية.

الخرافة 11: يحصل الناس على ما يريدون في الديمقراطية

الواقع مختلف عما تروجه الديمقراطية، كيف يعمل النظام الديمقراطي، فالتعليم يدار من خلال النظام الديمقراطي، وهذا يعني أن السياسيين والبيروقراطيين يحددون كيف يتم تنظيم التعليم وكم مقدار المال الذي يصرف عليه.

وبعد عرض النظام الاشتراكي للاتحاد السوفيتي خلص الكاتبان إلى أن الديمقراطية تؤدي حتمًا إلى درجة من الاشتراكية. وما ينطبق على التعليم ينطبق على قطاعات أخرى يتم التحكم بها ديمقراطيًا، مثل الرعاية الصحية والسيطرة على الجريمة.

والديمقراطية لا تقوم بإيصال ما يريده الناس، فالناس يصوتون للسياسيين الذين يعدون بمقاومة الجريمة لكن النتيجة هي عادة ما تكون النتيجة مجرد عدم أمان أكثر بدلا أن يكون أقل.

وسلط الكتاب الضوء على الأداء الضعيف للشرطة كنتيجة مباشرة لحقيقة أنها يتم التحكم بها ديمقراطيًا، فقد تم منح الشرطة احتكارا في مجال تنفيذ القانون، والشرطة هي منظمة تستلم أموالا أكثر كلما قل عدد المجرمين الذين يقبضون عليهم، وبالتالي إذا نجحت الشرطة في تقليل الجريمة سيتم تقليص ميزانيتها وسيخسر منتسبو الشرطة وظائفهم.

وأوضح الكاتبان أنك إذا أردت إثبات أن الديمقراطية لا تفي بوعودها فكر كيف أنه في كل انتخابات يعترف السياسيون أن الحكومة قد خلقت الفوضى، وفي كل مرة يعدون الشعوب أنهم سيغيرون كل شيء، التعليم والأمن والرعاية الصحية وإلى آخره للأفضل، لكنهم دائما يقدمون نفس الحل: “أعطونا أموالا أكثر وسلطة أكثر وسنصلح المشاكل”، لكن هذا لا يحصل على الإطلاق بالطبع لأن سبب المشاكل يرجع لمال وسلطة هؤلاء السياسيين.

الخرافة 12: جميعنا ديمقراطيون

إذا كانت الديمقراطية تفشل في إيصال ما يريده الناس في الحقيقة، يتساءل الكاتبان: لماذا لا يزال معظم الناس يدعمونها، أليس لأن كل مواطن صحيح التفكير ديمقراطيًا، بالرغم من أنه قد يتذمر من الحكومة أحيانًا؟

ويوضحان لاحقًا أن الجملة الثانية قابلة للجدل، فيما إذا كان الناس حقًا يؤمنون بشيء لا يعتمد على ما يقولونه بل على ما يفعلونه عندما يكون لديهم حرية الاختيار.

والشخص الذي يعيش في دولة ديمقراطية ويقول أنه مؤيد للديمقراطية يبدو مثل مواطن في الاتحاد السوفيتي السابق، فهو يقول أنه سيختار سيارة “لادا” حتى لو كان لديه الخيار لاختيار سيارة “شوفرليت” أو “فلوكسفاكن”، قد يكون ذلك صحيحًا لكن ليس على الأرجح، بل هو مثل المواطن السوفيتي، الذي لم يكن يملك خيارًا سوى سيارة “لادا”. نحن لا نملك خيارًا سوى الديمقراطية.

وبعد مناقشة هذه الفكرة يصل الكاتبان إلى خلاصة: “من أجل أنفسنا ونظرائنا حول العالم، يجب علينا أن ندعو للحرية، وليس للديمقراطية لأننا وصلنا إلى حيث يفعل مجلس نواب محتال أي شيء يستطيع أن يجمع عليه تصويت أغلبية”.

أسباب ميل الناس إلى دعم الديمقراطية

يتساءل الكاتبان: لماذا كلنا نعتقد  أننا جميعا ديمقراطيين؟ والجواب بالتحديد: هو أنه يتم إخبارنا أننا كذلك، فمدارسنا وإعلامنا وسياسيونا، جميعهم يقومون بإيصال رسالة بأن البديل الوحيد الممكن للديمقراطية هو الديكتاتورية، بالنظر إلى هذه المكانة “الإلهية”، كحصن ضد الشر، من سيجرؤ على أن يكون ضد الديمقراطية؟

الخرافة 13: لايوجد بديل أفضل للديمقراطية

يتناول الكتاب قضية ما إذا قلت أنك ضد الديمقراطية، فيشك الناس فورًا أنك مؤيد للديكتاتورية، لكن هذا هراء بحسب الكاتبان، فالديكتاتورية ليست البديل الوحيد للديمقراطية.

ونقل الكتاب قول ونستون تشرشل:”الديمقراطية هي الشكل الأسوأ للحكم من عدا أن كل الأشكال الأخرى التي تم تجريبها” وكذلك قال فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير نهاية التاريخ والإنسان الأخير: “عولمة الديمقراطية الغربية الليبرالية كشكل النهائي للحكم الإنساني” افتراضيًا لم يكن هناك شيء أفضل.

وبهذه الطريقة أي انتقاد للديمقراطية يتم إجهاضه في المهد. وفي الحقيقة الاتجاه في هذه البلدان هو إلى حد ما العكس، أي نحو مركزية أكثر وأكثر.

فأوروبا تتحول إلى مركزية أكثر لدرجة أن الألمان يستطيعون أن يقرروا كيف على اليونان أن يعيشوا وبالعكس؟ وفي هذه الديمقراطية الضخمة يمكن لبلدان أن تلقي بعبء عواقب سياساتها الاقتصادية قصيرة النظر على سكان البلدان الأخرى، بالضبط كما يستطيع المواطنون في الديمقراطية الوطنية أن يعيشو على ظهور المواطنين الآخرين. وذلك هو منطق الديمقراطية على المستوى الأوروبي.

وكلما كبرت الدولة الديمقراطية كلما أصبح السكان أكثر تباينًا، وازداد التوتر الذي سينشأ.

ويتساءل الكاتبان: لماذا لا يستطيع الناس أن ينظموا أنفسهم بطريقة تختلف عن ما هو موجود في الدول التي يحكم فيها الشعب في المجتمعات الأصغر على سبيل المثال؟ ويناقش الكاتبان: لكن اللامركزية يتم معارضتها بشدة من قبل حكامنا الديمقراطيين بل وحتى تصبح مستحيلة، فإذا كانت الديمقراطية نظاما جيدا حقا فالمفروض أن تتوقع إمكانية أن تتيح للناس الاختيار بين الانضمام طوعا إلى الأمة الديمقراطية أو الانسحاب، لكن ليس هذا ما هو عليه الحال.

ويرى الكاتبان أنه كلما صغرت الوحدات الإدارية كان الناس أكثر تجانسا وازدادت فرصة أن يكون الإفراط في الديمقراطية محدودًا. ويسمح ذلك بخلق روح التنافس بين المناطق مع بعضها وسيتم تقريب القوانين إلى ما يريده الناس وسيصبح الحاكم أكثر حركية وأقل بيروقراطية. كما يمكن للمناطق أن تتعلم من بعضها لأنه يمكن لكل منها أن تجرب سياسات مختلفة.

الفصل الثاني: أزمة الديمقراطية

لخص الكتاب في هذا الفصل حكاية الديمقراطية التي بدأت كنموذج رائع لتقوية الشعب لكن بعد 150 سنة من التطبيق بانت نتائجها التي ليست إيجابية، وأصبح من الواضح الآن أن الديمقراطية هي قوة استبدادية بدلًا من أن تكون تحررية.

كما تتبعت الديمقراطيات مسار الدول الاشتراكية، وأصبحت غير فعالة وفاسدة وقمعية وبيروقراطية. وهذا ليس لأن النموذج الديمقراطي تم تخريبه بل على العكس بسبب الطبيعة الجمعية الكامنة في هذا النموذج.

خطايا الديمقراطية

يسلط الكتاب الضوء على حقيقة أن الشعب سيصبح متعلقًا بالحكومة بشكل متزايد، وأكد أن هذه الطريقة في الواقع لا تستطيع أن تعمل على الإطلاق، فلا تستطيع الحكومة أن تحقق كل المطالب، وفي النهاية سيقوم السياسيون بالشيء الوحيد الذي يستطيعون فعله: وهو:

  • رمي المال على المشاكل.
  • إنشاء قواعد وأنظمة جديدة.
  • إنشاء لجان للإشراف على تطبيق قواعدهم.

وفي الحقيقة لا يوجد شيء يستطيعون فعله، فكسياسيون هم لا يستطيعون حتى أن يدفعوا فواتير فعالياتهم، والتي يتم تركها لدافعي الضرائب ليقوموا بدفعها.

ويخلص الكاتبان في هذا القسم إلى أنه يمكن للإنسان أن يشاهد عواقب هذا النظام حوله كل يوم: البيروقراطية، الطفيلية، جنون العظمة، دولة الرفاه، السلوك الضد اجتماعي والجريمة، المستوى المتوسط والمعايير المنخفضة، وقصر المدى.

لماذا تسوء الأمور باستمرار

هناك الكثير من الناس الذين يملكون مصلحة راسخة في استمرار هذا النظام الديمقراطي بحسبما أوضح الكتاب، وبينما تكبر الحكومة ببطء، تنمو هذه المجموعة معها.

ونادرًا ما يتم تحميل السياسيين مسؤولية الأفعال التي قاموا بها وتبين أنها ضارة على المدى البعيد، بل يحصلون على المديح بسبب نواياهم الطيبة والنتائج الأولية والإيجابية لبرامجهم.

أما العواقب طويلة الأمد (كالديون التي تحتاج إلى أن يتم إعادة دفعها) ستكون مسؤولية خلفائهم. بالمقابل يمتلك السياسيون دافعًا قليلًا للعمل على البرامج التي تؤدي إلى نتائج بعد مغادرتهم المنصب، لأن القادة المستقبليين سيحصلون على التقدير بسببها. لهذا تصرف الحكومات الديمقراطية أموالًا أكثر مما تستلم دائمًا.

إنهم يحلون المشكلة من خلال فرض الضرائب، أو هناك طريقة أحسن من ذلك لكون الناس يستاءون من دفع الضرائب، وهي طريقة اقتراض المال أو طباعته ببساطة.

وبالرغم من كل المشاكل التي تجلبها الديمقراطية لنا، يقول الكاتبان:

نستمر بالأمل والاعتقاد أنه بعد الانتخابات القادمة كل شيء سيتغير، وهذا يجعلنا عالقين في دائرة مفرغة.

وشبه الكتاب المواطنين في الديمقراطية مثل مدمني الكحول الذين يحتاجون إلى أن يشربوا المزيد دائمًا كي يشعروا بالثمالة.

لماذا نحتاج إلى ديمقراطية أقل؟

السؤال الذي يطرحه الكاتبان: إلى متى يمكننا الاستمرار على هذا الوضع، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الرضا في المجتمع وعدم القدرة في النظام السياسي والاقتصادي.

لحسن الحظ -يجيب الكاتبان- هناك طريق آخر، بالرغم من أن الكثير من الناس قد يجدون من الصعب تخيله، والطريق هو ديمقراطية أقل، حرية فردية أكثر.

الفصل الثالث: نحو نموذج سياسي جديد

وفي الفصل الثالث والأخير تناول الكتاب كيف سيبدو هذا النموذج الليبرتاري عند التطبيق. ويوضح الكاتبان أنه من الوهم الاعتقاد بأن المشاكل التي يواجهها مجتمعنا يمكن حلها بالمزيد من الديمقراطية، والوهم الأكبر أن نعتقد بأن الديمقراطية هي النظام الأفضل من بين كل الأنظمة المقترحة.

وأن الإيمان الأعمى بالديمقراطية في مجتمعنا ليس بديهيًا، إنه في الحقيقة ظاهرة جديدة إلى حد كبير. وأن معظم المثقفين المحافظين والليبراليين الكلاسيكيين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من ضمنهم مفكرين مشهورين كانوا معارضين للديمقراطية.

يقول إدموند بيرك: “من هذا أنا متأكد أنه في الديمقراطية غالبية المواطنين يصبحون قادرين على ممارسة الاضطهاد الأكثر وحشية على الأقلية .. وأن اضطهاد الأقلية سيتمدد إلى عدد أكبر بكثير وسيتم تنفيذه بضراوة كبيرة، ذلك يمكن على الدوام تقريبًا إيقافه من قبل حكم ملك واحد”.

وقال توماس ماكلولي المفكر البريطاني الليبرالي الشهير: كنت لفترة طويلة ولا زلت مقتنعا أن المؤسسات الديمقراطية الخاصة لابد أن تدمر الحرية أو الحضارة أو كليهما عاجلا أم آجلا”.

وبعد عرض تطور الفكر الديمقراطي تحت عنوان “اللامركزية والحرية الفردية” يقول الكاتبان: هل البديل للديمقراطية ممكن؟ مجتمع بدون دولة مهيمنة، بدون حكم الأغلبية، مجتمع تعاوني وحر؟ والجواب: قطعًا ممكن. فهكذا بديل هو ضروري بصورة ملحة إذا لم نرد أن ننحدر إلى الطغيان والركود.

ويرى الكاتبان أن العالم الغربي يحتاج إلى نموذج جديد، نموذج يجمع بين الحركية والحرية الفردية مع الانسجام الاجتماعي. وهو أمر يمكن تحقيقه بحسب الكتاب، والشيء الأول الذي يجب فعله هو تقليل دور الحكومة، فالناس يحتاجون إلى الحصول من جديد على حق التحكم في حياتهم وثمرات عملهم بدون التدخل والقواعد وفرض الضرائب. أي سيخلق الناس مجتمعات آمنة وقابلة للحياة ومستدامة.

وتحت عنوان “سوق للحكم”، نقل الكاتبان قول باتري فريدمان حفيد ميلتون فريدمان، الفائز بجائزة نوبل:”الحكومة هي قطاع ذو موانع دخول عالية، في الحقيقة يجب عليك أن تفوز في الانتخابات أو تقوم بثورة لكي تجرب شكلا جديدا من أشكال الحكومة”.

واللامركزية بحسب الكاتبان ستكون نافعة للعديد من المجاميع في المجتمع، مع الاستقلال المحلي، فالمفكرون التقدميون يمكنهم تطبيق أفكارهم التقدمية والمفكرون المحافظون يمكنهم فعل نفس الشيء مع قيمهم، بدون إجبار الآخرين على تعديل طريقتهم في الحياة.

والناس الذين يريدون العيش في مجتمع يراعي البيئة يمكنهم أن يعيشوا وفق أحلامهم، وعلى حسابهم. فمقاربة حجم واحد يلائم الجميع غير ضرورية وغير مرغوب بها كما خلص الكتاب. واللامركزية على عكس الديمقراطية الوطنية هي نظام عش ودع الآخرين يعيشون.

ولهذا النظام المقترح مزاياه، فالتنوع في الحكم يسمح للناس أن يقرروا بصورة أسهل تحت أي نظام حكم يرغبون في العيش، يستطيعون الذهاب إلى بلدة أخرى أو بلد آخر إذا رغبوا بحكم مختلف، وهكذا تنافسية تضمن أن يتم تحميل الحكام المسئولية والذي نادرا ما يحدث حينما يتم تقييد تأثير المواطن بانتخابات كل أربعة سنوات.

وناقش الكتاب بعد هذا الطرح المطول “اللامركزية في سويسرا” مسلطًا الضوء على نجاح سويسرا بفضل اللامركزية رغم أنها دولة ديمقراطية ولكن -يشدد الكاتبان- هذا لا يعني الدعوة للمثال السويسري كنموذج أو خيار وحيد، بل إنه مثال على كيفية عمل الحكم اللامركزي وكيف أنه يؤدي إلى ضرائب أقل وحرية فردية أكثر ولا يعني هنا أن الديمقراطية هي بالضرورة شيء جيد طالما كانت في مكان صغير.

وقال الكاتبان:

في الماضي لم يستطع الناس تخيل حياتهم بدون ملك، والآن ننظر إلى الديمقراطية بنفس الطريقة.

وضرب الكاتبان مثلا عن طبيعة نظام الحكم الذي يقترحانه كبديل للديمقراطية حيث أن المجتمع الحر والنموذجي سيكون مشابها للنموذج المبني على أساسه الأنترنت، ومع الأنترنت فقط عدة قواعد بسيطة تنطبق، والباقي مفتوح للجميع لكي يشاركوا بالطريقة التي يرونها مناسبة، والقاعدة الرئيسية هي التواصل عبر بروتوكول (تي سي بي، أي بي) والذي أثبت أنه يعمل جيدًا بصورة رائعة.

وتحت عنوان “الطريق إلى الحرية”، يوضح الكتاب أنه إذا كان التقدم التكنولوجي إشارة إلى التنمية المستقبلية، فإمكانيات اللامركزية واحدة، وفي الحقيقة التكنولوجيا هي القوة الديمقراطية الحقيقة، أكثر من النظام الديمقراطي نفسه.

وباختصار يوضح الكتاب فكرته كالتالي: إن دولة الشعب الديمقراطية الكبيرة يجب أن تفسح المجال لوحدات سياسية أصغر يختار المواطنون فيها الطريقة التي يريدون أن يشكلوا بها مجتمعهم بأنفسهم، طالما كان ذلك ممكنا، يجب اتخاذ القرار حول القضايا محليًا على أصغر مستوى إداري ممكن. وحتى إذا كان هذا يعني نهاية الاتحاد الأوروبي فسيكون ذلك أفضل بكثير.

فالاتحاد الأوروبي -يفسر الكاتبان- يمثل ما هو عكس اللامركزية، إنه النموذج المثالي للمركزية، طاغوت بيروقراطي غير قابل للعمل، حيث الحرية الفردية يتم تهديدها أكثر حتى من الديمقراطية الوطنية، كلما كان وقت محوه أقرب كلما كان ذلك أفضل.

مستقبل مشرق

يبدو المستقبل مشرقًا بحسب كتاب “ما وراء الديمقراطية”، فقد راكم البشر معرفة هائلة وقدرة ضخمة على الانتاج أكثر من كافية لخلق رفاهية لكل شخص في العالم.

والطريق إلى الاستقلال والتقوية سيستمر ولكنه لن يمر من خلال الديمقراطيات الكبيرة، بل سيمر -بحسب طرح الكتاب- من خلال اللامركزية وتنظيم الناس في وحدات إدارية صغيرة يتم تصميمها من الناس أنفسهم.

ويختم الكتاب بالتأكيد على أنه حان الوقت للناس أن يستيقظوا على حقيقة أن الديمقراطية لا تؤدي إلى الحرية أو الاستقلال، إنها لا تحل الصراعات ولا تطلق العنان للقوى المنتجة والمبدعة، بل العكس تخلق العداء والقيود.

حان الوقت للناس أن يدركوا أن الحرية التي يتمنوها لأنفسهم يجب أن يتم كذلك منحها للآخرين. وأن الحرية لا يمكن أن تستمر إذا لم يتمتع الآخرون بنفس الحرية وأنه في النهاية هم أنفسهم سيصبحون ضحايا للإكراه الذي يمارسونه على الآخرين ديمقراطيًا.

يجدر الإشارة إلى أن الكتاب حظي بثناء وتقدير هانز هيرمان هوب، مؤلف كتاب الديمقراطية: “الإله الذي فشل”. كما تميز الكتاب بشرح مبسط وهادئ لكل فكرة ودعمها بالأمثلة البسيطة والمعطيات بالأرقام.

ومع أن الكتاب نجح بشكل كبير في كشف عيوب الديمقراطية وخرافاتها وأثبت فشلها كنظام للحكم، إلا أن البديل الذي اقترحه وهو نظام اللامركزية لم يكن مقنعًا بشكل كافٍ على أنه البديل الأمثل.

د. ليلى حمدان

كاتبة وباحثة في قضايا الفكر الإسلامي، شغوفة بالإعلام وصناعة الوعي.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. الأصل أن الحكم لله، بشرع الله ،
    والأمر شوري بين الناس حسب المصلحة والعرف ،
    قائد واحد يقرر ثم التوكل على الله:

    ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ” الأعراف 199
    ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” آل عمران 159

  2. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    بارك الله فيك أخي الفاضل يسري وأحسن إليك، أسعدتنا ملاحظاتك القيمة، ومتابعتك المهلمة، وقد أصبت في تشخيص نقطة ضعف بارزة في أمتنا، نفع الله بك ووفقك لما يحب ويرضى.

  3. السلام عليكم
    بارك الله فيكِ يا دكتورة على هذا الطرح المميز الذي تعودناه من حضرتك دائما .
    استفدت كثيرا من موضوع الكتاب والحل الذي اتجه اليه الكاتبان حول تطبيق اللامركزية حل مثله مثل حل الديموقراطية المزعومة ومع التكنولوجيا الحديثة والعولمة العميقة التي دخلت كل البيوتات تقريبا ولم ترحم حتى الأطفال تظل الحلول البشرية ناقصة وعاجزة عن الحل الصحيح . ولكن للأسف المجتمعات العربية لا تعي ولا تسمع ما يقال لدى الغرب من افكار وسياسات ولو أنهم علموا لعرفوا ان تطبيق الشريعة هو الحل الوحيد لأنه تشريع من خالق الانسان .
    جزاك الله خيرا على هذه المراجعة .

  4. السلام عليكم،بارك الله فيك ،والله إني احبك في الله يااختي العزيزة،ثبتك الله وإيانا على طريق الحق،اللهم آمييين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى