رحلات الأثرياء إلى الفضاء.. إضاعة للمال أم قفزة علمية للبشرية؟

هذا المقال ترجمة بتصرف لمقال: Billionaires in Space لكاتبه: Greg Camp في موقع: areomagazine.com. الآراء الواردة أدناه تعبّر عن كاتب المقال الأصلي ولا تعبّر بالضرورة عن تبيان.

الرحلة الشبه مدارية التي قام بها ريتشارد برانسون (المؤسس المشارك لشركة مجموعة فيرجن وأحد أشهر المليارديرات في العالَم)، وجيف بيزوس (مؤسس أمازون وهو الآخر أحد مشاهير الأغنياء في العالم)، قد سببت امتعاض العديد من رفاقي اليساريين، بسبب أنّ كليهما مليارديرية وأنَّ المال الذي أُنفق لقفزة وجيزة في رحلة مدارية قد فعلها قبلهم ما يقارب من الستمائة إنسان كان بالإمكان أن يُنفق لأهداف ذات معنى أسمى.

يدّعي بعض الناس أنّ الأغنياء أحرار لفعلِ ما يريدون، بحدود القانون. وآخرون يدعون أنهم يجب عليهم مشاركة هذه الثروة مع أولئك العمال الذين ساعدوا في إنتاجها. هذا نقاش نافع، لكن يذكرني بنص في “إنجيل يوحنا” الذي فيه يعترض يهوذا على دلك قدمي المسيح بالدهن المقدس بسبب أن الدهن المستخدم كان من الممكن أن يباع، وأمواله تعطى للفقراء.

هذه الرحلات الشبه مدار للمليارديرية قد تُرى كإسراف باهظ (على الرغم من كونها قد ترى كخطوة ضرورية لتطوير نمط جديد في مجال السياحة، تتضمن رحلات فوق خط كارمان). هذه الرحلات الشبه مدارية لم توسع حدود قدرات الاستكشاف الفضائية ولا هي حققت شيئًا ذا بال وفائدة عملية، على سبيل المثال: لم تستعمل هذه الرحلات لتمديد ديمومة وعمر مرصد هابل الفضائي. لكن الصورة الكليّة قد خفيت عن أنظار الناقدين.

الفضاء
ستار تريك‏ أحد أهم ظواهر الخيال العلمي في التلفاز الأمريكي.

لقد ترعرعت وأنا أشاهد عودة ستار تريك (Star Trek)، الحلقات الجديدة للجيل الجديد والأفلام المتلفزة حول الاكتشافات الفضائية الحقيقية التي تحوي مكوك الفضاء وسابير فوياجر. لهذا ظننت دومًا أنَّ السفر إلى الفضاء كان شيئًا تفعله الحكومات: فكرة الرحلات الخاصة والتجارية كان لا يبدو لي طَبِيعِيًّا. لكن الأهم من ذلك، أنَّ رمي هؤلاء المليارديرية لأنفسهم تجاه الفضاء الشاسع، يُبرِزُ سؤالاً مهمًا حول حقوق الملكية، من يملك ذاك الكوكب أو ذاك القمر أم من يملك الشهب أو النجوم؟ على الرغم من كون إمكانية وصولنا للنجوم تحتاج إلى موارد عالمية على طوال قرون عدة قادمة، لكن يبدو أن الأجسام الفضائية قد تكون قابلة للأخذ والاستملاك.

معاهدة الفضاء الخارجية الموقعة عام 1967 تحدد الفضاء للاستخدامات غير العسكرية، ولكن هذه المعاهدة لا تضاهي أي شيء إلا إذا فرضتها الأمم المتحدة. بما أنه لا يوجد إلى هذه اللحظة سلطة قانونية حيال أي شيء ما خلا الكرة الأرضية، كل من يستطيع أن يضع قدماه على مكان معين أولًا سيكون على الأغلب هو المسيطر عليه.

مع ذلك، من الذي سيخرجهم؟ كما تقترح معادلة تشيولوفسكي للصواريخ، وضع أي باوند في الفضاء الخارجي سيكلف باوندات عديدة من الوقود. إلى الآن، هذا العائق العملي قد أوقف هذا النوع من السيطرة على الأراضي كالتي رأيناها في القرنين الميلاديين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكن الأمور تتغير مع مرور الزمان.

لا يوجد غرابة حيال تدخل الشركات الأمريكية في استكشاف الفضاء. لطالما تعاقدت وكالة ناسا مع شركات لبناء المعدات والمركبات التي تحتاجها لبرامجها. والآن، مع تقاعد المكوكات الفضائية، لن يكون أمام الولايات المتحدة خيار إلا كسب الوقت بصواريخ جهات أخرى، سواء كانوا تابعين لحكومات أخرى أو شركات خاصة.

تستخدم وكالة الفضاء الأوروبية شركات تجارية عامة كشركة “Arianespace” لهذا الغرض، بينما تشتري وكالات الفضاء الأخرى صواريخها من الولايات المتحدة أو أوروبا أو روسيا. (الأخيرة تستخدم مكاتب تصميم تعمل تحت سلطة الوكالات الحكومية).

وليس فقط المليارديرات والشركات الكبرى تسعى باتجاه الفضاء. تقوم جمعية الكواكب وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 1980، باختبار جدوى شراعات ضوئية لإطلاق المركبات الفضائية.

الرأسمالي المغامر يوري ميلنر، ملياردير آخر يسعى حَرْفِيًّا نحو النجوم، يطمح -بالاعتماد على اقتراحه الخارق- باستخدام الأشرعة الضوئية لإرسال مسبار فضائي إلى ألفا سنتوري، نظام نجمي يبعد حوالي أربع سنين ضوئية، سيستغرق بضعة عقود فقط للوصول إليها من خلال هذه التكنولوجيا.

ونظرًا لاتساع الفضاء المهول والجهود المطلوبة لاكتشاف سعته، سنحتاج إلى مزيج من الحكومات والمستثمرين الأثرياء وشركات ذات اهتمام بالمشاركة في استكشاف الفضاء.

لقد أدرك كتّاب سلسلة ستار تريك (Star Trek) التلفزيونية -التي تدور أحداثها في مجتمع شيوعي ذو اقتصاد الوفرة- حدسًا، أن الجهود الخاصة لاستكشاف الفضاء ستكون مشتركة: يتضمن عالمهم الخيالي مجموعة متنوعة من شركات تشغيل مستقلة، يشحنون البضائع ويعملون على هوامش المجتمع ويدفعون إلى ما وراء حدود المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الفيدرالي.

كل هذا النشاط يثير السؤال، ما هي قيمة برنامج الفضاء للبشرية؟ 

الفضاء
جيفري بريستن بيزوس ‏هو رجل أعمال أمريكي وهو المؤسس لـ BLUE ORIGEN.

يقول دوايت أيزنهاور في خطابه الشهير “فرصة السلام” أمام الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف في 16 أبريل 1953، أن “كل بندقية تُصنع، وكل سفينة حربية تُطلق، وكل صاروخ يُطلق يدل، بالمعنى النهائي، على سرقة من أولئك الجائعين الذين لم يطعموا، ومن الذين في العراء البارد لا يكسوهم لباس”.

هل ينطبق هذا التلازم على محاولاتنا للتوسع خارج هذا الكوكب؟

يُطرح هذا القلق نفسه بما يتعلق بجميع أشكال البحث الأساسي، وتوجد إجابة عملية جيدة: تؤدي تحقيقات اليوم حول الطبيعة والجهود المبذولة لتوسيع نطاق وصولنا إلى فرص عمل وتقنيات جديدة في الغد -تشمل ما ينقذ البشرية- من مثل تحسين مراقبة الأعاصير.

في مرحلة ما، سيقترب كويكب أو مذنب كبير آخر في طريقنا (كما يظهر تاريخ الأرض البالغ 4.6 مليارات سنة) عندما سيحدث ذلك، قد تكون جهودنا المستمرة لاستكشاف الفضاء قد أنتجت تقنيات تنقذ البشرية من الدمار. وأيضًا، على الرغم من وسائل منع الحمل والتعليم، قد يستمر عدد سكان العالم لدينا في الارتفاع وهذا سبب آخر يجعل إمكانية السكن في أكثر من مكان صغير واحد في هذا الكون الفسيح لها جاذبيتها.

هل تكلف أبحاث الفضاء واستكشافه الكثير من المال؟ نعم، إذا ما قورنت بأموال الناس العاديين. لكن الأموال المخصصة لوكالة ناسا في الموازنة الفيدرالية لعام 2020 أقل من 0.5% من النفقات الفيدرالية.

وفي السنوات الأخيرة، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من ثلثي ما تنفقه أي دولة أخرى سَنَوِيًّا. هذه النفقات الحكومية ضئيلة مقارنةً بالمبالغ التي أنفقتها الجيوش الرائدة في العالم. ويمكن القول إن استكشاف الفضاء يحقق عائدًا أعلى على الاستثمار، لأنه يفتقر إلى الطابع الأخلاقي الغامض في البحوث المخصصة لشن الحرب.

والأهم من ذلك، أن الأموال التي تم إنفاقها على استكشاف الفضاء، سواء تم إنفاقها من قبل المليارديرات أو الحكومات، لا تقلل من مقدار الأموال التي يمكن إنفاقها على البرامج الاجتماعية التقدمية لتأمين الرعاية الصحية والتعليم للجميع، أو لضمان أجور العمال المعيشية. أو جعل الأنظمة القضائية الجنائية أكثر عدلاً.

يستطيع الأثرياء دفع ضريبة الثروة، ودفع الأجور العادلة لعمالهم، مع قدرتهم على قضاء الإجازات في الفضاء.

وبعد ذلك، ضع في الحسبان مدى اختلافنا، كبشر، إذا لم نستكشف الفضاء. قد يبدو من الغرابة أن نقول هذا، لأننا لم نزل في ذلك غير 70 سنة تقريبًا. لكن الفضاء حَالِيًّا هو أفقنا الذي لم يقهر. ونحن كائنات وجدت دائمًا آفاقًا لا تقاوم ومصدرًا للإلهام.

بدأ انتشارنا من منطقة صغيرة في شرق إفريقيا، حتى غطينا الكرة الأرضية. حيث كان دافعنا الخارجي أَسَاسِيًّا لطبيعتنا: نحن كائنات -كما قال أرسطو في كتابه الميتافيزيقيا- نتشوق للمعرفة.

ليس من الخطأ أن يركز البرنامج التقدمي على الرفاهية والتعليم والمساواة، لكن علينا أن نتذكر تغذية الروح والجسد على حدٍّ سواء لتحديد أهداف يصعب الوصول إليها. إن كان إنفاق بعض المليارديرات للأموال للألعاب الفضاء سيحقق لنا الوصول لأهدافنا فلا بأس؛ لأنهم سيرسمون لنا طريق الوصول للفضاء الخارجي مما يساعدنا على توسيع آفاقنا المشتركة، وعندما تصبح التكنولوجيا التي يطورونها في طور النضج فإن ثمار مغامراتهم تعود لصالح الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى