نهج الإمامين وترقيع القيادة اليوم

قرأنا كثيرًا عن جيل الصحابة الكرام، هذا الجيل القرآني الفريد الذي غير مجرى التاريخ، وحرر البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
كان جيلًا يتصفُ بالصبرِ على البلاء والإخلاص والجهاد، والقرآن كان يتلى عليهم للتنفيذ والعمل وللنفير من كل ولاء للقيادة الجاهلية ويعلن ولاءه للقيادة المسلمة، ومن ثم تغيير الواقع الجاهلي وتقويضه، ومن ثم إقامة النظام الإسلامي.

فبنظرة سريعة سوف نذهب لنظرة الإمام البنا والشيخ سيد قطب رحمها الله التي كانت واضحة تمام الوضوح إلى واقعنا الحالي وما رست به سفينتا الآن، ووضعنا المؤسف الذي ملك فينا القريب والبعيد وولاهم علينا بدون حق ولا شرع.

لا إله إلا الله بدايةً

“فإنه لا جدوى من ضياع الجهد جهد الخيرين من الصالحين من الناس في مقاومة المنكرات الجزئية الناشئة بطبيعتها من المنكر الأول: منكر الجرأة على الله وإدعاء خصائص الأولهية ورفض ألوهية الله برفض شريعته للحياه. إنه لاجدوى من ضياع الجهد في مقاومة منكرات هى مقتضيات ذلك المنكر وثمراته النكدة، علام نحاكم الناس وننهاهم؟ وبأي ميزان نزن أعمالهم لنقول لهم اإن هذا منكر فاجتنبوه؟!”

أنت تقول هذا منكر، فيخرج عليك مجموعة ذات قوه يقولون لك هذا ليس منكر! لقد كان منكرا في الزمن السابق ليس الآن والدنيا تتطور والمجتمع يتطور!
ويؤكد الشيخ قطب أننا نضيع جهدنا فى الفروع ونهمل الأصول، ويوضح أنناننهى الناس عن شرب الخمر في دولة شرعت قانونا لذلك وأباحت قوانينا للملاهى الليلية.. فنحن الآن أصبحنا في مجتمع سب رئيس الدولة يؤدي لمحاكمة وسب الدين يؤدي للمزاح والضحكات ولا عقوبة عليها!

وختم الشيخ قطب كلامه قائلا في هذه النقطة: “ما غناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الأحوال؟! ما غناء النهي عن هذه الكبائر فضلا أن يكون النهي عن الصغائر والكبيرة لا نهي عنها.. كبيرة الكفر بالله برفض منهجه للحياة.

وهنا يؤكد الشيخ على ضرورة تحكيم شرع الله في أرضه لأنك وبكل سهولة تمنع المنكرات الصغائر وتترك الكبائر التي تسعى فى الأرض فسادًا.. فعند إقامه شرع الله في أرضه ومحو بذور الغرب التي زرعها في نفوسنا بكل تأكيد لن نرى قانونا يبيح الخمر والربا والعري ويتيح فتح الملاهي الليلية!

وأكد الإمام البنا على هذه الجزئية عندما قال:

“إننا ندعوا الناس إلى الإسلام الذى جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا قيل أن هذا سياسة.. نقول أن هذا هو الإسلام، ونحن لا نعترف بهذه الأقسام فإن ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم السائرين الظالمين” من رسائل البنا

وقد اتفق الشيخان على إقامة شرع الله في أرضه وتحكيم شرعه في الأرض وغزو كل كفّارٍ عنيد.. وقال الشهيد قطب أن الإسلام لا يتحقق كما أراده الله إلا إذا هيمن على الحياة بشتى جوانبها السياسيه والاقتصادية والعسكرية وقال رحمه الله:

“ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعينهم, هم رجال الدين كما الأمر في سلطان الكنيسة، ولا الحكم الإلهي المقدر ولا الثيوقراطية ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرر ” من كتاب معالم فى الطريق.

حكم الشيخان على الأنظمة الحاكمة !

يرى الشيخ سيد قطب أن هذه الأنظمة من مخلفات الغزو الصليبيى لبلاد المسلمين وأن هذه الأنظمة جاهلية لأنها لا تقر بالحاكمية، وإنما تعتدي على سلطان الله وتدعي لنفسها الحاكمية بالتشريعات والدساتير التي تصدرها هذه الحكومات التي لا تمت للإسلام بصله وقال الله تعالى

“أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50 “

وكما أكد الإمام البنا على حديث الشيخ قطب قائلا: “كل النظم التي تسيرون عليها في شئونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام ولا تستمد منه ” من رسائل البنا

ويعيد مؤكدا رحمه الله: “ونحن لهذا لا نعترف بأى نظام حكومى ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره وتكون الحكومة الإسلامية على هذا الأساس ” من رسائل البنا للشباب

ويخبرنا الإمام البنا مؤكدا القول: “إننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شئ من هذا الذي يزعمون، ولكننا بحمد الله مسلمون، ارتسمت أمامنا توا طريق الهداية والنور” مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي

فمن غير المفهوم ولا المعقول أن يكون القانون في أمة إسلامية متناقضا مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيه وقد حذر الله نبيه فقال “وأن أحكم بينهم بما أنزل الله” “أفحكم الجاهليه يبغون ومن أحسن من الله حكما” وانتهى بقولة تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” وإذا كان الله  حرم الخمر والربا والقمار وجاء القانون التابع للنظام هذا يحمي شارب الخمر ويبيحه، وينظم القمار ويحمي الزاني في الملاهي الليلية فكيف يكون موقف المسلم؟! أيطيع الله أم ينساق وراء حكومته “
من مجموعة الرسائل للإمام البنا

وبهذا يؤكد الشيخان رفضهما لهذه الحكومات التي تسير بغير الإسلام وكما قال البنا ” ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي ولا بهذه الأشكال التقليدة التي أرغمنا أهل الكفر عليها وأعداء الإسلام على الحكم بها ” من رسائل البنا للشباب
وبكل بساطه يراها قطب أنها أنظمة جاهلية ولا تعايش معها والبراءة منها ومن أفعالها واجب على كل مسلم.

كيفيه تغيير هذه الأنظمة ؟ “التغيير لا الترقيع” !

الإثنان كانت إستراتيجيتهما هي التغيير الجذري للأنظمة بعد توعية الأمة بالإسلام وتكوين قاعدة شعبية تقبله وتحافظ عليه، وهما أيضا لا يحاربان الإصلاحات الجزئية شريطة ألا تتحول إلى استراتيجية فينشغل الناس بها عن استراتيجية التغيير فتصبح الوسيلة غاية والتكتيك استراتيجي وهذا هو الانحراف , وهذا هو ما وصل حالنا إليه عندما اتبعنا نهج الغرب ووقعنا فيما حذر من الشيخان.
وقد قال البنا عن هذه الأنظمة ” لا يصلح فيها الترقيع الإداري والروتين الحكومي”

وأكد الشيخان أن لا يأخد المسلمون بجزء من الإسلام ويتركون الآخر، كالأحوال الشخصية وترك نظام العقوبات فهذا انحراف عن صحيح الدين.. كأنك تبني بيتًا تضع الأسمنت ولا تخلطه بالرمل بكل تأكيد سيسقط البيت قبل القيام به من الأساس.

واسترشدوا بكتاب الله عز وجل:  “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من ييفعل ذلك منكم إلا خزي فى الحياه الدنيا ويوم القيامه يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون “
وتأكيدًا لما ذكرناه قال الشيخ سيد قطب فى كتابه معالم فى الطريق: “إن الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية، لا من ناحية التصور ولا من ناحيه الأوضاع المنبثقة عن هذا التصور.. فإما إسلام وإما جاهلية وليس هناك وضع آخر نصفه إسلام ونصفه جاهلية.

وظيفة الإسـلام

وقال أيضا “وظيفة الإسلام إذن هى إقصاء الجاهلية من قياده البشرية وتولي هذه القيادة على منهجه الخاص؛ وهو تحكيم الشرع  ” فإن هذا الدين لا يعترف إبتداء بشرعية هذه المجتمعات الجاهلية التي اعتلاها العهر الغربي والعلمانية الغربية التى لبست في عقوله ولا يرضى ببقائها.

 امتلاك القوة للتمكين !

أكد الشيخ سيد قطب فى الظلال: ” إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرر الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد فهو يهدف إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان “

وأكمل قائلًا في كتابه الظلال:  ” ومن ثم لم يكن بدٌ للإسلام أن ينطلق في الأرض لإزالة الواقع المخالف لذلك الإعلان العام بالبيان وبالحركة مجتمعين وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تحكم بغير شرع الله. ” وأكد الإمام البنا على حديثنا قائلا: “القوة أضمن طريق لإحقاق الحق وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبا إلى جنب.”

ويرد علينا قطب قائلا فى الظلال “وقيام مملكة الله في الأرض وإزالة مملكة البشر وانتزاع السلطان من أيدي غاصبيه من العباد ورده إلى الله وحده وسيادة الشريعة وحدها وإلغاء القوانين البشرية كل أولئك لا يتم بالتبليغ والبيان وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض وهذا عكس ما ذكرة تاريخ الرسل وتاريخ الدين على مر الأجيال “

ويثبت الكلام قائلا في الظلال: ” يجب على الدعاه ألا يخجلوا من هدفهم الأخير وهو تحطيم كل القوى التي تقف فى سبيل الإسلام لإطلاق الحرية للناس.

الانحراف إلى الهاوية

يؤكد الشيخان على عدم الانسياق وراء أولياء الشيطان ومخالفة منهج التغيير الإسلامي, قال رحمه الله أن الأصل في الدعوة التغيير لا الإصلاح أثبت قائلا: كان من الممكن أن يقوم الرسول صل الله عليه وسلم بحركة قومية عربية تستهدف تجميع القبائل العربية وتحريرها من الاستعمار الروماني والاستعمار الفارسي وينجح في ذلك ويلتف العرب من حوله جميعا ويسودونه بعد ذلك عليهم ثم بعد ذلك يطبق عليهم الإسلام بما له من سلطان ونفوذ وقوه عليهم ولو كان ذلك بالإكراه ولكن  الله لم يوجه الرسول هذا التوجيه، إنما وجهه إلى “لا إله إلا الله” وتحرير المستضعين من الطاغوت سواء أكان طاغوتا عربيا أم طاغوتا فارسيا أم رومانيا “
من كتاب معالم فى الطريق

وهذا ما يروج له البعض اليوم في الوصول إلى السلطة ويكون لـ النفوذ والسلطة، ثم إقامة الشرع على من هم تحت سلطانك وبجميع التجارب أثبتت فشلها هذه التجربة؛ لأن الدين واضح في إرشاداته لم يكن إصلاحيا وإنما جاء ليهدم ما كان عليه المشركون في الجاهلية، ويبني صرحا جديدا ذا إطار خارج البنيان ولا يمت له بأى صلة.

وضوح الهدف وعدم إتباع نهج تخدير الأمة !

قال الشيخ سيد رحمه الله:

 “سنكون معكم صرحاء غاية الصراحة.. هذه الجاهلية التي أنتم فيها نجس والله يريد أن يطهركم، هذه الأوضاع التي أنتم فيها خبث والله يريد أن يطيبكم، وهذه الحياه التي تحبونها دونًا والله يريد أن يرفعكم وإلى أخره..”

ونرى من كلام أستاذنا أنه على دعاه التغيير أن يكونوا واضحين في نقل أفكارهم ورسالتهم دون تدسس أو تنازل, فالتنازل سيليه تنازل وخذلان وعدم اتباع أسلوب الرقة والشفقة لإرضائهم وجعلهم في صفوف أتباعك, لا ما هذا هو الدين؛ الدين جاء ليميز الخبيث من الطيب, لا أن يراضي هذا وذاك فالحق حق وأتباعه يتبعونه رغم مشاقه لا يحتاجون إلى الدلال والرقة والميوعة في الكلام لاستجلاب رضاهم كما يفعل البعض الآن ويشتغل على نقطة الإرضاء.. فانفرط العقد منه وخسر المؤيد وخسر المعركة التي كان هو وسيلة فيها للوصول بنا إلى الغايه السامية.

بقلم: أحمد عبد الحفيظ

ضيوف تبيان

يمكن للكتّاب والمدونين الضيوف إرسال مقالاتهم إلى موقع تبيان ليتم نشرها باسمهم في حال موافقة… More »

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى