معضلة الجو: استراتيجية مواجهة التفوق الجوي – الدفاع الجوي السلبي

تحدثنا في الجزء الأول عن تقييم القوة الجوية المعادية مرورًا بعوامل تأثير وفعالية القوات الجوية وانتهاءً بأهم عوامل قياسها، وفي هذا الجزء نكمل ما بدأناه ونتحدث عن الدفاع الجوي السلبي.

الباب الثاني: الدفاع الجوي السلبي

إجراءات الدفاع ضد الأخطار والتهديدات الجوية على مستوى العالم تتم على ثلاثة مستويات:

  • المستوى الأول: التعامل عن طريق المقاتلات الاعتراضية.
  • المستوى الثاني: التعامل عن طريق الأسلحة الأرض جو (صواريخ وأنظمة الدفاع الجوي).
  • المستوى الثالث: التعامل بالإجراءات الخاصة بالدفاع السلبي.

الدول المعتمدة على المستوى الأول

أمريكا والدول الغربية والكيان الصهيوني تعتمد في خطة دفاعها الجوي على المستوى الأول بشكل رئيسي؛ لعدة أسباب، منها:

1. تقدم السلاح الجوي بشكل كبير، ووفرة عدد الطائرات المتفوقة.

2. وجود منظومة متكاملة من رادارات الرصد والإنذار المبكر، والرادارات الكاشفة للمدى؛ التي يبلغ مدى كشفها إلى حوالي 5000 كم، فنجد مثلًا أن أمريكا لديها نظام متكامل من هذه الرادارات تحمي أمريكا الشمالية كلها -بما فيها كندا-، ويقوم على قيادتها قيادة NORAD أو قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية في جبل شين في كلورادو، وتقوم المقاتلات بالدفاع ضد الأهداف الجوية المعادية بعيدًا جدًا عن أراضي الولايات المتحدة، وقامت امريكا ببناء نظام مشابه لذلك في أوروبا تحت مظلة الناتو، وتعمل على توسيع الناتو ومحاصرة الحدود الروسية بالرادارات والأنظمة المضادة للصواريخ تحت عنوان “حماية اوربا”.

الدول المعتمدة على المستوى الثاني

بينما روسيا والدول التي تتبنى العقيدة الشرقية -أو الدول الأقل تقدمًا- يتركز جهد الدفاع الجوي فيها عند المستوى الثاني بواسطة منظومات الدفاع الجوي الأرض جو.

لا يعني هذا أن هذه الدول تتبنى مستوى واحد، بل هناك خطة متكاملة تتضمن المستويات الثلاثة؛ فنجد الملاجئ المحصنة والمدفونة تحت الأرض أو في عمق الجبل؛ والتي تكون بها مراكز القيادة للدولة والجيش، ونجد منظومات دفاع جوي أرض جو لدى أمريكا، ولكن اتجاه الجهد الرئيس للدفاع يكون كما ذكرنا، وينعكس ذلك على طبيعة الإنفاق العسكري، والتقدم في التسليح، وتنوع السلاح حسب الاتجاه الذي تتبناه الدولة. فنجد تنوع كبير وتقدم في أسلحة الدفاع الجوي أرض جو لدى روسيا، وتقدم كبير للطائرات، وكل التكنولوجيا المتعلقة بها لدى أمريكا.

بما أن هذه الدراسة موجهة أساسًا -كما ذكر سابقًا- للحركات التحررية والدول الراغبة في الخروج من الهيمنة الاستعمارية للدول الكبرى، فسيتم التركيز هنا على الأساليب والإجراءات التي من الممكن للأطراف التي ذكرناها من تنفيذها، أو الحصول عليها، ولن نتعرض للأشياء التي يكون الحصول عليها أو تنفيذها صعب جدًا وغير واقعي.

وجدير بالذكر أن لابد من أن يتمتع أعضاء وقادة هذه الحركات والدول بالهمة العالية، والإصرار، وعدم اليأس، واستعمال الذكاء والعلم والحلول المبتكرة؛ لكي يستطيعوا مجابهة القوى الأكبر منهم التي تتمتع بالسيطرة؛

فالتغيير والثورة لا يتم سوى على أيدي أصحاب الأحلام البعيدة، والإرادة القوية.

مفهوم الدفاع الجوي السلبي يتمثل في الإجراءات والتدابير التي يتم اتخاذها؛ لتقليل الخسائر الناتجة من القصف الجوي، وتجنب الآثار المادية والمعنوية الناتجة عنه على قدر الإمكان. جميع دول العالم تتبنى مفهوم الحماية السلبي ضد الهجمات الجوية في إطار الخطة العامة للدفاع، ولكن كلما زاد تفوق الدولة العسكري، وصغر احتمال تعرضها للهجوم الجوي كلما انحصر مفهوم الحماية السلبية للأماكن الهامة فقط، وكلما ضعفت الدولة كلما زاد اعتمادها على مفهوم الدفاع الجوي السلبي.

تتكون إجراءات الدفاع الجوي السلبي من من 3 أركان رئيسية:

  • الركن الأول: منظومة رصد، وإنذار ضد الأخطار الجوية.
  • الركن الثاني: منظومة القيادة، وتمرير الإنذار.
  • الركن الثالث: منشآت الحماية.

يتم صياغة الخطة المناسبة للدفاع الجوي السلبي على حسب الظروف لكل ساحة أو دولة، وحسب الإمكانيات المتوافرة، ومن المفضل أن يكون هناك خطة خاصة موجهة للدفاع الجوي السلبي خاصة بالقطاع المدني، منفصلة عن الخطة الخاصة بالقطاعات العسكرية؛ فالواجب في ظروف العمل العسكري تحت السيادة الجوية المعادية -سواءً في المرحلة الأولى أو الثانية من حروب العصابات- أن تكون الإجراءات المضادة للطيران متخذة بشكل دائم.

منظومة الرصد والإنذار

وتتكون من الرادارات، ونقاط المراقبة الجوية، والجواسيس بالقرب من المطارات، والقواعد العسكرية المعادية.

1. نقاط المراقبة الجوية

http://gty.im/1517004

نقاط المراقبة الجوية موجودة في دول كثيرة خصوصًا ذات العقيدة الشرقية، والتي لا تغطي راداراتها جميع حدودها. وتتكون نقطة المراقبة الجوية من 5 أفراد لديهم جهاز لا سلكي، وأجهزة للرؤية الليلية والنهارية، ويقومون بالدوام على مدار ال24 ساعة؛ بحيث يكون هناك عدد 2 فرد مستيقظ فقط في أي وقت، ويرابطون في مكان المراقبة على الأقل من أسبوع إلى أسبوعين.

وتُختار النقطة الجوية في مكان مرتفع عن الأرض، ومشرف على منطقة كبيرة، ولا توجد عوائق بصرية أمامه في جميع الاتجاهات، وتقتصر مهمتهم على رصد أي حركة جوية، وإبلاغ القيادة عبر اللا سلكي فورًا بالوقت، والاتجاه بصورة أساسية، وأي معلومات أخرى كنوع الطائرة، أو السرعة التقريبية، أو الحمولة -على حسب ما يمكنهم رصده-.

تكون هذه النقاط موزعة ومرتبة؛ بحيث تغطي جميع الاتجاهات، والمساحة المطلوب حمايتها، وعلى مسافات تسمح بوجود وقت لتمرير الإنذار من القيادة إلى الجانب المدني والعسكري، وتعتني بالتمويه المحكم، وتعليمات الأمن، والسرية فيما يخص أماكنها ونطاق عملها؛ حتى لا يتم استهدافها من قبل العدو.

بناء على التبليغات من نقاط المراقبة الجوية تقوم القيادة بتحديد اتجاه التهديد الجوي، وتوقع أهدافه المحتملة، ونشر الإنذار للمناطق المهددة.

2. القيادة

http://gty.im/903284994

لا بد من وجود قيادة مختصة بتنظيم شئون الدفاع السلبي؛ لضمان تحقيق الفائدة المرجوة، مهامها:

  • وضع خطة الدفاع المدني وتدريب المدنيين عليها.
  • تلقي المعلومات من نقاط المراقبة الجوية والجواسيس في مناطق العدو وتقييمها.
  • تمرير الإنذار في الوقت المناسب للمناطق المهددة.
  • إنشاء نظام إنذار في المدن والمناطق المدنية يعتمد على صافرات الإنذار كأبسط حل متاح.

على حسب مساحة المنطقة المطلوب حمايتها والمسافة والاتجاه من مناطق العدو يتم توزيع القيادة وتقسيمها؛ بحيث يراعى الفاعلية في العمل، وضمان السرية، والسرعة في الأداء.

3. منشآت الحماية

الضلع الثالث في الدفاع السلبي هو: منشآت الحماية، ويتكون من:

منشآت مدنية

  • ملاجئ حماية في كل مبنى في الدور تحت الأرضي.
  • ملاجئ مجمعة في كل شارع أو حي، ويمكن تعاون سكان المنطقة في تكاليفها وإنشائها.
  • محطات ومنشآت المترو وأنفاق السكك الحديدية، وهي يمكن تحويلها بسهولة إلى ملاجئ، وتتمتع بحماية كبيرة؛ حتى أن كوريا الشمالية حين بنت المترو لديها وضعته على عمق يصل أحيانًا إلى 80 م مما يجعلها مؤهلة كملاجئ نووية.

بالنسبة للجانب المدني لا بد من عمل خطة واضحة، وتعليمات بسيطة للمدنيين، والقيام بتدريبات عليها تحاكي حدوث هجوم حقيقي، وفي حالات التوتر الشديد توضع المؤن والمواد الغذائية في الملاجئ.

منشآت عسكرية

  • الملاجئ داخل الجبال (طبيعية كالكهوف أو صناعية).
  • الغرف المحصنة تحت الأرض على أعماق مناسبة.
  • خنادق الحماية للمعدات، والأفراد.
  • أنفاق الحركة الدفاعية والهجومية، وأنفاق التخزين.
  • المنشآت، والمعدات الهيكلية التمويهية.

بالنسبة للجانب العسكري لا بد من الاهتمام بجانب السرية، والأمن بشكل صارم فيما يخص أماكن القيادة، والاتصالات، ومخازن السلاح والذخيرة، والمعدات الهامة مع تغيير هذه الأماكن بشكل دوري، وتمويهها، ووجود أكثر من موقع بديل جاهز، وإذا أمكن الابتعاد عن مكان السكان المدنيين؛ تجنبًا للتجسس، ولتقليل الضرر على المدنيين يكون جيدًا، وإذا لم يمكن، يكون هناك اهتمام مضاعف بالأمن، وعمل أنفاق وخنادق للحركة، وسترها بشكل جيد، وأيضًا نشر العديد من المواقع، والمعدات الهيكلية الزائفة، ويفضل أيضًا عدم التمركز، والحركة المستمرة كلما أمكن، مع الالتزام بتعليمات التمويه والأمن.

تجربة حرب الأنفاق التي بدأت في حرب فيتنام، وتم الاستفادة منها بعد ذلك في أماكن أخرى وضحت دور الأنفاق الكبير في الدفاع السلبي ضد العدو المتفوق صاحب السيادة الجوية على أرض المعركة، وأصبح حفر وتصميم هذه الأنفاق متاح، ولا يحتاج إلى متخصصين، وإن كان من السهل تواجد هؤلاء المتخصصين، ولكن المقصود أنها عملية سهلة تنفيذيًا، ويمكن تنفيذها حتى بالحفر اليدوي أو معدات الحفر البسيطة المتوافرة في كل مكان؛ لذا لا بد من أن تمثل الأنفاق بأنواعها ركن هام جدًا في خطة الدفاع السلبي لأي ساحة تواجه عدو متفوق.

لا بد أيضًا من الاهتمام بتجربة كوريا الشمالية، وتجربة سويسرا في إنشاء الملاجئ المحصنة داخل الجبال، وتحت الأرض؛ فلديهم خبرة، وتاريخ كبير في إنشاء وبناء مثل هذه المنشآت، والعديد الآن من الحصون السويسرية تحولت إلى متاحف يمكن زيارتها للعامة بعد خفض النفقات العسكرية.

التعامل مع  الطائرات بدون طيار

الطائرات بدون طيار مجهزة بكاميرات جد قوية، تستطيع استشعار الأفراد والمركبات من ارتفاع عدة كيلومترات. أغلب الطائرات بدون طيار مجهزة بالرؤية الليلة، و/أو كاميرات للرؤية بالأشعة التحت الحمراء المعروفة بمستشعرات للاستكشاف المتقدم بالأشعة التحت الحمراء؛ التي يمكن لها رؤية البصمة الحرارية للإنسان من بعيد -ليلًا أو نهارًا-.

طرق للتخفي من الطائرات بدون طيار

1. التمويه في النهار: اختبئ في ظلال البنايات أو الأشجار، استعمل الغابات الكثيفة كتمويه طبيعي، أو استعمل شبكات التمويه.

2. التمويه في الليل: اختبئ داخل البنايات أو تحت حماية الاشجار وأوراقها، لا تستعمل المصابيح أو أضواء المركبات حتى في المهمات الليلة.

3. التمويه الحراري: بطانيات الطوارئ -تُعرف أيضًا ببطانيات الفضاء- مصنوعة من المايلر (يمكن صناعتها عن طريق وضع طبقة من الصوف الحراري الذي يتواجد في الثلاجات، وأفران الميكروويف بين طبقتين من ورق الألمونيوم، ثم خياطتها كبطانة للأقمشة العسكرية، ويصنع منها بِدَل عسكرية للأفراد، أو أغطية تمويه للعربات والآلات والأسلحة)، يمكنها صد الأشعة تحت الحمراء.

ارتداء البطانيات الفضائية كمعطف في الليل سيخفي الطبعة الحرارية عن الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء. أيضًا في الصيف حيث الحرارة تكون بين 36 و40 درجة مئوية، كاميرات الأشعة تحت الحمراء لا يمكنها تمييز الجسم من محيطه.

4. انتظر الطقس السيء. الطائرات بدون طيار لا يمكنها العمل في أجواء الرياح الشديدة، الدخان، العواصف المطرية.

5. لا للاتصالات اللاسلكية. استعمال الهاتف المحمول، أو الاتصالات عبر نظام تحديد المواقع GPS سيكشف موقعك في الغالب.

6. نثر قطع زجاج عاكسة، أو مرايا على المركبات على الأسطح سيربك كاميرا الطائرة بدون طيار.

7. الفخاخ. استعمل الدمى في حجم الإنسان لمغالطة أنظمة التعرف لدى الطائرة بدون طيار.

اختراق الطائرات بدون طيار

http://gty.im/919847958

الطائرات بدون طيار متحكم بها عن بعد الطيار. العامل عليها يمكن أن يتواجد على بعد آلاف الكيلومترات في محطات التحكم الأرضية. رابط التحكم هو الأقمار الاصطناعية التي عن طريقها يتحكم الطيار بالطائرة. بالتشويش أو اعتراض الاتصال بين الاقمار والطائرة يمن للشخص تعطيل التحكم عن بعد. الاتصال يمكن أن يكون مشفر، ولكنه في الغالب ليس كذلك.

  1. الاعتراض: تقنية معقدة تستعمل برنامج “sky grabber” مع طبق الأقمار الصناعية، وموالف أو مطابق تلفاز؛ لاعتراض ترددات الطائرة بدون طيار. الاتصالات من وإلى الطائرة بدون طيار يمكن اعتراضها.
  2. التداخل: بالبث على ترددات مختلفة، أو حزمة ترددات الرابط بين الطائرة والطيار يمكن قطعه.
  3. خداع نظام تحديد المواقع: جهاز إرسال لنظام تحديد المواقع صغير، محمول يمكنه إرسال إشارات زائفة وتعطيل نظام ملاحة الطائرة بدون طيار. هذا يمكن استعماله -على سبيل المثال- لقيادة الطائرة؛ لتدمير ذاتي عبر صدمها بعائق مرتفع، أو حتى اختطافها والهبوط بها.

التمويه الآن ليس فقط التمويه التقليدي الخاص باللون والشكل للأفراد والمعدات، بل أصبح هناك أبعاد أخرى للتمويه هامة جدًا مثل التمويه اللا سلكي، والإشارات الصادرة عن القوات العسكرية؛ التي يمكن رصدها، وأيضًا الإجراءات المضادة للرصد بواسطة الرادارات أو الكاميرات الحرارية، وسوف نتناولها بشيء من التفصيل في البابين الثالث والخامس -بإذن الله-.

كما يمكنكم تحميل الدراسة كاملة عبر هذا الرابط: معضلة الجو: استراتيجية مواجهة التفوق الجوي

المصادر

  1. Jane’s 360
  2. World wide equipment guide : vol.2: airspace and air defence systems : us army TRADOC G-2 : december 2011 Janes
  3. Defence & Security Intelligence & Analysis | Jane’s 360
  4. Find unrivaled intelligence, consultancy and advertising solutions to the defence and national security sectors
  5. موسوعة الحرب الإلكترونية تأليف الجنرال ا.ي. بالي والبروفيسور ن.ب.مارين، ترجمة العقيد المهندس المتقاعد يوسف إبراهيم الجهماني
  6. popular mechanics

خالد موسى

كاتب متخصص في الشئون الاستراتيجية والعسكرية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى