10 اتفاقيات ومعاهدات دفع المسلمون ثمنها غاليًا جيلًا بعد جيل

كانت مسألة انهيار الخلافة العثمانية البطيء أهم مشاغل السياسة الخارجية الأوروبية أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان همّ القوى الكبرى تقاسم التركة العثمانية، وإزالة الخلافة وإزالة معها أي أمل في نهوض هذه الأمة من جديد، ومن بين ما ركزت عليه أوروبا الصليبية في تحقيق أهدافها بعيد الأمد تلك، والتي جعلت المسلمين اليوم بعد سنوات طويلة مكتفين وفي حال مريض بمرض العضال، تلك الاتفاقيات المُذِلّة التي وقعت مع الدولة العثمانية ومع الدويلات التي أتت بعدها اتفاقيات دفع المسلمون ثمنها غاليًا جيلًا بعد جيل، في هذا التقرير سنحاول أن نعدّد أهم عشر معاهدات تاريخية أثَّرت وما زالت تؤثر في واقع المسلمين اليوم.

1. معاهدة سيفر

حديثنا عن المعاهدات التاريخية المذلة للأمة الإسلامية يأخذنا قطعًا للبداية بمعاهدة سيفر الموقعة يوم 10 أغسطس 1920 بين دول المركز “الدولة العثمانية، ألمانيا، النمسا وبلغاريا” بعد خسارة الأخيرة للحرب العالمية الأولى، وقد كان مصادقة الدولة العثمانية على هذه المعاهدة بمثابة دقها المسمار الأخير في نعش التفكك والتشرذم الذي سيصيبها لاحقًا وأدى إلى نهايتها.

ومن بين بنود المعاهدة القاسية، بند تخلي الدولة العثمانية على جميع الأراضي التي يسكنها غير الناطقين باللغة التركية، ما جعل الدولة العثمانية التي تحكم العالم قبل مدة ليست بالبعيدة تختزل أراضيها إلى الثلث، بل تعادها بعد أن فقدت الدولة العثمانية أراضي تركية، حيث بسببها بدأت الأطماع الكردية في إنشاء دولة كردستان كما يتطلع بقوة اليوم الأكراد في سوريا والعراق، وما أُنجر عن هذه المعاهدة أيضًا إخضاع فلسطين للانتداب البريطاني وسوريا للانتداب الفرنسي.

2. معاهدة أوشي أو معاهدة لوزان الأولى

وهي معاهدة وقعت بين مملكة إيطاليا والدولة العثمانية وتم توقيعها بعد الحرب بن الدولة العثمانية (المحكومة وقتئذ بجمعية الاتحاد والترقي) وإيطاليا (1911-1912)، أبرمت المعاهدة في قلعة أوشي (ضواحي لوزان) في سويسرا في 22 شوال 1330هـ الموافق لـ 3 من تشرين الأول 19122 وتم بموجبها تنازل الدولة العثمانية عن ليبيا، التي تمت احتلالها فيما بعد من الإيطاليين، الذين نهبوا خيرات ليبيا وبسطوا نفوذهم بها وباتوا يمارسون احتلال غير مباشر عليها.

ووقع المعاهدة من الجانب العثماني محمد نبيه بيك ورمبولغيون فخر الدين بيك ومن الجانب الإيطالي بييترو بورتيليني، جيودو فوسيناتو وجوزيبي فولبي. ومن أهم بنودها يلتزم السلطان التّركي بمنح الاستقلال الذّاتي لطرابلس وبرقة، وموافقة الحكومة الإيطالية أن يعين السّلطان العثماني القضاة في برقة وطرابلس، وسحب جميع الجنود والضّباط والموظفين من المدينتين.

3. معاهدة لوزان الثانية

بعد إبرام معاهدة سيفر التي تقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم القوميات غير التركية في الدولة العثمانية استقلالها، رفض الأتراك هذه المعاهدة وخاضوا حربًا شرسة ضد الحلفاء حتى انتصروا عليهم انتصارًا كبيرًا، وخاصة على اليونان خلال حرب 1922-1923.

وفي أعقاب ذلك عُقد مؤتمر لوزان الثاني الذي استمرت أعماله ثلاثة أشهر، وتمخض عنه توقيع معاهدة لوزان يوم 24 يوليو/تموز عام 1923 في فندق بوريفاج بلاس بمدينة لوزان جنوبي سويسرا. وكانت أطراف المعاهدة القوى الاستعمارية المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى خاصة بريطانيا وفرنسا وايطاليا، والإمبراطورية العثمانية التي ترأس وفدها من الحكومة الانقلابية عصمت إينونو.

ومن بين أهم ما نتج عنها: إبطال معاهدة سيفر، وتأسيس الدولة التركية الحديثة على أساس علماني برئاسة كمال الدين أتاتورك، بالإضافة إلى إزالة الخلافة والسلطنة العثمانية، وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، وتتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914.

4. معاهدة كيتشوك كاينارجي

تعدّ مُعاهدة كيتشوك كاينارجي المرحلة التي كانت بمثابة بداية التدخّل الأوروبي في شؤون الدولة العثمانية، فبعد انهزام الدولة العثمانية في الحرب مع روسيا اضطر السلطان عبد الحميد الأول على توقيع معاهدة بين بلاده وروسيا بتاريخ 211 يوليو 1774 م، في معسكر قرب قرية كيتشوك كاينارجي التي تقع في بلغاريا المعاصرة.

وتأتي تلك المعاهدة في 28 مادة ومادتين منفصلتين، وقد أورد نصّها محمد فريد في كتابه “تاريخ الدولة العلية”، وبمقتضى هذه المعاهدة انفصلت شبه جزيرة القرم عن الدولة العثمانية، كما اعتبرت هذه المعاهدة ضربة قاسية للدولة العثمانية فيما يخص سيادتها على البحر الأسود والمضايق، فقد قرّرت المعاهدة أن تكون الملاحة للسفن الروسية التجارية حرة ومفتوحة وغير مشروطة، ويكون لها الحق في حرية المرور في المضائق بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وحرية دخول الثغور والموانئ الواقعة على ساحل البحر الأسود، وممارسة التجارة فيها بأريحيّة.

5. معاهدة سايكس-بيكو

كان لابد لاتفاقية واحدة أن تكون ملخصًا لجميع الاتفاقيات، فكانت سايكس-بيكو، نسبة إلى البارون البريطاني سير مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، في 16 من مايو أيّار من عام 1916 وقع على اتفاق سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية على اقتسام الدول العربية الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط.

معاهدة سريّة وقعت بعد اتفاق توصلت إليه الدول الثلاث على ثلاثة مراحل تمت في القاهرة وسان بطرسبرغ ولندن، تمّ الكشف عنها لمّا وصل الشيوعيون إلى حكم روسيا بعد توقيعها بعام، بجرّة قلمٍ قُسّمت المنطقة إلى دول ورسم القلم نفسه خطوط حدود بين شعب واحدٍ يتحدث لغة واحدة. حيث صارت الأمة العربية اليوم بعد مرور قرن عن هذه المعاهدة ممزقة إلى 22 دولة، وحدود بعض الدول مغلقة منذ سنين.

6. معاهدة كامب ديفيد

معاهدة العار واختر من مفردات الخيانة ما شئت فما وفيت وصفك لهذه المعاهدة التي تبنتها الحكومة المصرية ووقع عليها أنور السادات، فبعد وفاة جمال عبد الناصر بعث الكيان الصهيوني رسالة إلى مصر مفادها أنه يريد فتح صفحة جديدة، نقل الرسالة رئيس وزراء رومانيا الذي شارك في التشييع، فبدأت أولى خطوات الوساطة بين غولدا مائير وأنور السادات، اعتقد السادات أن الحل بيد أمريكا فأوزع عام 1982 إلى مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل ببدء اتصال سري مع أمريكا قصد توقيع اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني.

كان هنري كيسنجر اليهودي الألماني الشخص المناسب للاتصال بمصر نيابة عن الكيان الصهيوني، فرأى السادات أن أمريكا ليست جدية في التسريع للوصول إلى اتفاق سلام فقرر السادات الدخول في حرب لتحريك الموقف، رافعًا شعار وأسطوانة التحرير. تحالف السادات مع حافظ الأسد، وتلقى دعمًا عربيًا كبيرًا خصوصًا من المملكة العربية السعودية التي قرّر ملكها الراحل فيصل قطع ضخ البترول إلى أمريكا مما عجل في الاتفاق إلى وقف إطلاق النار، ليليه اتفاق المعاهدة كامب ديفيد، التي جرت في منتجع كامب ديفيد في ولاية ميريلاند القريبة من العاصمة الأمريكية واشنطن.

نصّ الاتفاق -في الأساس- على خروج القوات الصهيونية من سيناء، وتحرير الأراضي المحتلة في فلسطين إلا أن إسحاق رابين أكدّ في لقاء مع جيمي كارتر أنه يمكن إعادة سيناء إلى مصر مقابل السلام الكامل، وأنه لا مكان لدولة فلسطينية بين الأردن وإسرائيل، وفي 19-11-1977م، استقبل السادات الزعماء الصهاينة في مطار اللُدّ، استقبال لم يحظى به أحدٌ قبله، كيف لا وهو من باع فلسطين وخان العرب أجمعين، وحدث لأول مرة تنسيق إعلامي بين مصر وإسرائيل، وذهب التحالف السوري المصري والتضامن العربيّ سُدى. وكتبت جريدة التايمز البريطانية في اليوم التالي معلقة على ذلك بعبارة:

وداعًا للتضامن العربي.

7. اتفاقية أوسلو

فتحت خيانة أنور السادات بتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد باب الخيانة على مصراعيه، كما فتحت للصهاينة حدود الباب للصهاينة لاختراق ما تبقى من الدول العربيّة، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية الثانية على القائمة، وكانت واشنطن المكان المريح دائمًا للخيانة وهكذا معاهدات، ففي 13 من أغسطس عام 1993، وبحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وقعت منظمة التحرير والكيان الصهيوني على معاهدة إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وسميّ الاتفاق بأوسلو نسبة إلى المدينة النرويجية التي احتضنت المفاوضات السرية التي امتدت من سنة 1991.

وتعد الاتفاقية أول معاهدة توقع بين أول اتفاقية رسمية مباشرة بين الصهاينة ممثلين بوزير الخارجية آنذاك المقبور شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية العميل محمود عباس.

ومن أهم بنودها:

  1. نبذ ومقاومة الإرهاب وإدانته وضبط المنتهكين لهذا الشرط. وعليه فإن أعمال المقاومة والتصدي للاحتلال جريمة تعاقب عليها السلطة قبل أن تعاقب عليها إسرائيل، وأنشأ الجهاز الأمني المتعقب لتلك الخلايا.
  2. في حال التزام منظمة التحرير للشروط، فسيتم الاعتراف بها على أنها الممثل للشعب الفلسطيني وبدء المفاوضات معها.
  3. تعترف منظمة التحرير بدولة إسرائيل التي تشكل 78% من أراضي فلسطين، وعليه فإن الـ 12% المتبقية هي فلسطين التي ستخضع للسلطة التي سنتْ بنودها الحكومة الإسرائيلية.
  4. تقر إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي في الأراضي التي تخرج منها في غزة والضفة فقط، وعليه فلا دولة مستقلة تُدعى فلسطين.
  5. إسرائيل هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي وعليه فلا جيش فلسطيني.
  6. لا تبدأ مفاوضات الوضع الدائم إلا بعد ثلاث سنوات من الاتفاقية، ثم تسوية الأوضاع المتبقية.
  7. إقامة مجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الأراضي الخاضعة للسلطة.

كانت هذه المعاهدة ولا زالت حجر عثرة أمام المصالحة الفلسطينية بين حركة المقاومة حماس وحركة فتح، بحيث رسخت هذه المعاهدة لدى الكثير من أبناء حركة فتح فكرة إنهاء العمل المسلح والمقاومة، وهذا ما تعمل حركة حماس عل محاربته وجعل الفلسطينيين يؤمنون من جديد بنهج المقاومة.

8. اتفاقية دايتون للسلام

دارت في قاعدة رايت بيترسن الجوية قرب مدينة دايتون الأمريكية وبين يومي 1 تشرين الثاني و25 من الشهر ذاته من عام 1995 مفاوضات ترمي إلى وضع حد إلى الحرب الدائرة منذ أزيد من ثلاثة أعوام في البلقان، ترأس الوفود المشاركة كل منن سلوبودان ميلوسيفيتش من الجانب الصربي، فرانيو تودمان من الجانب الكرواتي وعلي عزت ببيجوفيتش من الجانب البوسني.

مما نتج عن هذه الاتفاقية، تقسيم البوسنة والهرسك إلى جزأين متساويين نسبيًا هما: فدرالية البوسنة والهرسك وجمهورية صرب البوسنة كما أدت إلى انتشار قوات حفظ السلام الدولية الإيفور. رغم أن التوقيع الرسمي للاتفاقية تم في باريس يوم 14 كانون الأول 1995 فإن الاتفاقية تعرف باسم مدينة دايتون حيث وُقّع عليها بالأحرف الأولى.

9. اتفاقية وادي عربة

هي معاهدة سلام وقعت بين الكيان الصهيوني والأردن على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994. طبّعت هذه المعاهدة العلاقات بين البلدين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما. وترتبط هذه المعاهدة مباشرة بالجهود المبذولة في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

بتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وكان خوف الأردن من خسارة أراضي جديدة السبب المعلن عن هذه المعاهدة، حرص الملك حسين على أن تتم المعاهدة بشرعية دستورية، فكان أن وقعها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد السلام المجالي ليتم بعدها عرض الاتفاقية على البرلمان للتصويت عليها.

والفارق في هذه المعاهدة أن توقيعها تمّ على الأراضي الفلسطينية المحتلة بشمال إيلات، وظهر الرئيس الصهيوني عيزر وايزمان والملك حسين بمصافحة تاريخية.

ما نتج عن هذه الخيانة الجديدة، خسارة الأردن لبعض أراضيه، كما شرعت هذه الاتفاقية للاستيطان، كما قطعت الأمل لدى الشعوب العربية في حكامها اتجاه القضية الفلسطينية.

10. اتفاقية إيفيان

بعد أن تأكدت فرنسا أن مسألة طردها من الجزائر مسألة وقت، شرعت في التفكير في جزائر ما بعد الاستقلال، فوافقت على عقد مفاوضات مباشرة مع جبهة التحرير الجزائرية، عُرِفت تلك المفاوضات بمفاوضات أيفيان نسبة إلى المدينة الفرنسية التي عقدت بها، ففي الفترة الممتدة ما بين 7 إلى 18 من أيّار عام 1962، أبرمت جبهة التحرير الجزائرية وفرنسا اتفاقية إيفيان التي بموجبها استقلت الجزائر، لكن بموجبها أيضًا ما زالت فرنسا تتحكم في الصغيرة والكبيرة في السياسة الخارجية والداخلية لبلد المليون ونصف مليون شهيد.

المصادر

بن مسعود عبد القادر

مهندس ومدون جزائري مختص في القضايا الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم
    هناك تفاصيل غير صحيحة ذكرت في المقال وأخرى كثيرة مهمة لم تذكر . من الأخطاء مثلا القول ان احتلال إيطاليا لليبيا تم بعد معاهدة أوشي .. فقد أعلنت إيطاليا حربا غير مبررة على الدولة العثمانية قبل ذلك بعام أي عام 1911 وواجهت مقاومة شارك فيها الجنود والقادة العثمانيون على مدى عام ولذا سعت إيطاليا إلى انسحاب رسمي تركي من البلاد بهذه الاتفاقية لدرء خطر التعرض لمقاومة ممتدة مثل مقاومة الجزائر التي كبدت فرنسا الكثير وبمشاركة عثمانية غير رسمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى